لا شك في أن الارادة القوية توجد الأجسام القوية. وهو ما يفسر القول المأثور: «العقل السليم في الجسم السليم» لأن الرجال الذين عرفوا بقوة الإرادة كانوا على الغالب من الرجال الأقوياء. خذ لك مثلاً على ذلك: لقد كان وليم الفاتح، كما يصوره لنا « كرين » في تاريخه، من قرصان البحر، يختلج حبهم في صدره ويجري دمهم في عروقه.
ذلك ما نفحه بشخصية ممتازة، وقوة عظيمة، حديدية. وقد شهد له حتى الأعداء، بأنه لم يقم من ملك يضاهيه تحت القبة الزرقاء. وبتلك الشخصية البارزة الممتازة هجم على حصن من الحديد، حاميته مؤلفة من رجال الإنكليز الأشداء، المدربين على الحرب والنزال، فلم يقف حتى قبض على الراية بيده فبلغ بذلك ذروة المجـد والفخار في حين أن سواه لم يصادف غير الخيبة والخذلان، ولم يعتل العرش الانكليزي، في أي زمن من الأزمان، من شابهه أو داهاه.
وهاك مثلاً آخر أن « وبستر » وقد قال عنه «مدني سميث »: « ويستر هو الكذبة الحية » وما ذلك إلا لأنه لم يكن على وجه البسيطة، من يفوقه مهابة وجلالا، وحنكة وزلاقة..
الرابعة والثمانين وحينها كان يمشي عدة أميال في النهار، ويقطع الأشجار الضخمة، وهو في الخامسة والثمانين. إن الصحة الجيدة تساعد ولا ريب، على تقوية العقل، ولا بد للنجاح من العقل الثاقب. ولكن السبق، كان وما يزال لمن يعملون على تقوية أجسادهم لتحمل عناء التفكير والصبر والعمل .
إن ما تتطلبه الحياة هو الصحة، والقوة، من عهد الطفولة، حتى زمن المدرسة، وإلى ما بعد ذلك، نحمل عقلنا وأعصابنا حالاً لا نستطيع القيام بها بدون الصحة الجيدة والإرادة القوية. فإذا كانت الصحة الجيدة هي التي تساعد على النجاح فما ذلك إلا لأنها تساعد على تقوية الارادة وكثيرون هم الذين عزموا، وهم في الطور الأول من الحياة، على اتباع خطة مرسومة ومقاومة كل ضعف فيهم، سواء أ كان ذلك جسدياً أو عقلياً، وتمكنوا بالمثابرة والثبات من امتلاك جميع عواطفهم وميولهم ، وكان ذلك سبب فوزهم. لقد اشتهر « ستون وول جكن » بقوله: "إنني لا أُخضع إرادتي لزمهرير الشتاء". فلم يكن ، في أشد صبارة الشتاء، ليرتدي الملابس الضرورية عنه يقول« كارليل» «إن الانسان ليحني الرأس إكبارا واجلالا إذا ذكر مآثره الرائعة أو أراد أن يقارنه ببقية البشر. إن مهابته كانت هكذا عظيمة حتى لم يكن أحد ليقوى على مخالفة إرادته. وغنائم العالم كانت وما تزال نصيب الجريئين، ذوي الارادة القوية، ولم تكن البتة لقويي الأعصاب والعضلات إنما هي في الارادة والجرأة والحزم. إنها كما أرادها « لوردبر و كهام » إذ كان يعمل مائة ساعة .
وهي كما يرهن عنها نابوليون إذ ظل ثلاثين ساعة دفعة واحدة على متن جواده، وفي مـا عمله «فرنكلن» حينما ضرب خيامه عرض الفلاة في فصل الشتاء وهو ابن سبعين سنة، وفي «غلادستون» حين قبض بيد من حديد على دقة المملكة وهو في لا شيء أعظم، في هذه الحياة ، من أن يكون للمرء عزيمة ، ومضاء ، وثبات ، واعتماد على النفس لمجابهة كل ما يحدث فيها. وعظمة المرء هي في أن يكون رجلاً.
إن حاجة العمران، هي إلى رجال ونساء أقوياء بمقدورهم القيام بمتطلبات المدنية الحاضرة. والقوة الصحيحة ليست بخلو المرء من الأدوار. والعقل فحسب بل بالعقل الثاقب والفكر السليم وأنى له ذلك إذا كان ضعيف الارادة جباناً ، متردداً غير واثق من نفسه. إننا بقوة الإرادة نتغلب على كثير من الأسقام والأمراض، وقد أتى الطب الحديث بالبرهـان القاطع على صحة هذا الأمر بحيث أضحى فرعاً من فروعه المرموقة ، غير قابلة الدحض. قال أحد العلماء الأميركيين: ليس الدواء كله في ما يستقطره الكيماويون من النبات والاعشاب. إن أكثر من نصف الدواء قائم باعتقادنا فيه، وبتقوية إرادتنا على التغلب على الضعف والمرض.
أصيب، في أحد الأيام، رجل من الذين يلعبون على الحبال، بتعقد في عروق ظهره عاقه حتى عن الوقوف في غرفته. وكان قد عقـد اتفاقاً ليقوم بألعاب، أمام حفل كبير من علية القوم، فاستدعى طبيبه وقال له «يجب أن أشفى غـداً، ليس لأن قعودي يخسرني ما سوف أربحه فقط، بل لأنني سوف أخسر أيضاً ضماناً كبيراً دفعته لذلك. غير أن الطبيب بالرغم من هذه الملاحظة، ظل يمنعه عن النهوض من فراشه، مهما كانت الظروف لاعتقاده باستحالة شفائه بتلك السرعة، ولكن المريض نهض رغم ارادة طبيبه قائلًا له: «وما قيمة ارشاداتك وعقاقيرك إذا كنت تعجز عن شفائي» وذهب في الوقت المعين إلى نادي الاجتماع وأنهى عمله بخفة ورشاقة، وما إن أتمه حتى عاوده الألم واضطر أن يُحمل إلى عربته. تلك القوة الخارقة التي مكنته من إتمام ذلك العمل؟
أ ليست هي قوة الإرادة وحسب!... أو ليست متاعب الحياة وآلامها من مقويات الارادة عند أعاظم الرجال؟ هي :
إن « شلر » لم يكتب أجمل رواياته إلا وهو في أشد حالات الآلام والأوصاب.
و« هندل » لم يضع اجمل ألحـانه، تلك التي خلدت اسمه بين أعاظم الموسيقيين، إلا بعد أن لزم الفراش ردحاً غير يسير وبعد أن اطلعه طبيبه على قرب اجله و" بتهوفن" كان فاقد السمع ، ومثقـلا بالاشجان حين وضع أجمل مقاطعه .
ومن أشهر أقوال « ملتن »: " من يتحمل الشقاء كثيراً ، يجيد كثيراً . "
وقد كتب في أشد حالات الضعف، وهو معلم ضرير: « لا أحاول أن أعاند القضاء، أنف عن اتمام مقاصدي.»
كان « دارون » أكبر مثال لتغلب قوة إرادته على جسده .
لقد كان عرضة للأمراض والاوجاع مـدة أربعين سنة ، ومع ذلك ، لم يعرف أحد ما تحمل من الآلام، وقاسى من الأوصاب سوى امرأته ، وقد درس ، وبحث ، ونقب في مدة الاربعين سنة هذه، ما يحجم عنه أقوى الناس عقلا وجسداً، وكان يعتذر عن أوجاعه ويخجل منها كأنها نقص اختياري. « إن المرض » كما يقول « ويلر » هو ما يجب على المدرك القوي الارادة، أن يقاومه ولا يشكو منه لأحد، وألا يفتكر دوماً في درس اعراضه. وعلينا أن نكون مالكي انفسنا ومعتقدين بقوتها على الجسد أو ليس العقل هو حارس الجسد الطبيعي؟ وهل من الحكمة أن نعتقد أن الخالق ترك الجنس البشري تحت رحمة أعشاب غير مقرر مفعولها؟» إن في الانسان شعلة إلهية تقاوم دوماً ما نشكوه من ألم إذا عرفنا كيف نستفيد منها، وتجعلنا دائماً نشيطين أقوياء مواصلين سيرنا على وجه هذه البسيطة سنين عديدة. إن في الارادة قوة مكنونة تساعد المرء على حفظ الصحة، والشباب، والجمال، وتجدد فيه الحياة وتحفظه من الانحطاط والضعف. والذين عمروا في هذا العالم كانوا في الغالب من أقوياء الارادة ، ومن الذين تمكنوا من اتباع نظام محدود ساعدهم على البقاء طويلاً. ويعلم جميع الاطباء ان قويي الارادة هم أقل الناس عرضة للعدوى والأمراض الوافدة .
قال أحد اذكياء الاطباء : أرسل أي رجل كان، ومعه مبلغ كبير من المال إلى مكان موبوء ، تجده أقل الناس خوفًا من العدوى، حتى إذا أخرجت المال من يده ، صار من الصواب أن يترك المحل قبل أن يصاب .
كثيراً ما كان « نابوليون» يزور المستشفيات المختصة بالامراض الوافدة ، وكثيراً ما كان يضع يده فوق دمامل الطاعون، بينما كان كثير من الاحياء يرتجفون خوفاً لدى النظر إليها. ومن قوله في ذلك :
إن الرجل الذي لا يخاف، هو الرجل الذي يقدر أن يزيل الطاعون. إن ارادة قوية كهذه؟ هي الدواء الأكيد لأي مرض كان. إنها في أحوال كثيرة ، انتشلت أناساً من مخالب الموت وجعلتهم يعملون أعمالاً عظيمة .
إن « دو کلس جارولد» حين قال له طبيبه أن يستعد للموت، وأن لا أمل في شفائه، قال :
"الموت واترك أولادًا قاصرين دون ما مسعف أو معين ؟ كلا ! هذا لا يكون . بل يجب أن أعيش!" وقد وفى بكلامه وعاش بعد ذلك سنين كثيرة.
اضافةتعليق
التعليقات