قال الإمام أمير المؤمنين (ع): (العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة).
تمر علينا هذه الأيام الذكرى السنوية للراحل العظيم، المجدد الثاني (رضوان الله عليه) الذي غاب عنا بجسده لكنه سيبقى خالداً بروحه وأفكاره ومنهجه وتراثه.
تركنا والأمة الإسلامية بأمس الحاجة إليه.. لقد تركنا الأب الروحي وقلوبنا محزونة وعيوننا باكية.
ولقد خسرت الأمة الإسلامية بفقده عملاقاً عظيماً من عمالقتها و(ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء).
الحديث عن العظيم أمر عظيم وصعب، وفي الحقيقة أن الكلمات لا تستطيع أن تستوعب شخصية كشخصية الفقيد الراحل. وحقاً أقول لقد رحل عنا ونحن لم نعرفه حق معرفته، وقد صرح المرجع الكبير آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي (قدس سره) قائلاً في حقه: (إن الدنيا سوف تعرف هذا الرجل بعد مائتي عام).
كان مجاهداً، صابراً، محتسباً، زاهداً، وأباً عطوفاً يشمل بعطفه سائر الناس، حتى المخالف منهم.
يتحدث بكل تواضع مع الرجال والنساء والأطفال ويحضهم ويحثهم على العلم والعمل.
كان إمامنا الراحل كثير الاهتمام بشؤون المرأة ومدافعاً عن حقوقها الضائعة، ومن كلامٍ له في هذا الشأن: (تعيش المرأة في ظل الإسلام ولها من الحقوق والواجبات مثل ما للرجل؛ فهي شق له في كل شيء).
ما من امرأة جلست مع الفقيد الراحل إلا وشوقها للعلم والعمل، ولأن تدافع عن حقوقها الضائعة، وأن تستعيد عزتها ومكانتها في المجتمع.
وكان سماحته يلخص رسالة المرأة المؤمنة في الأمور التالية:
أولاً: التقوى والبناء الذاتي:
من أهم ما كان إمامنا الراحل يوصي به في خطاباته وتوجيهاته، التقوى وبناء الذات؛ لأن أساس إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح الفرد.
فعلى المرأة أن تسعى لأن تكون نموذجية في تقواها بحيث تكون أسوة وقدوة حتى للرجال، ورغم أن للمرأة في عصرنا الحاضر مسؤوليات عديدة تجاه زوجها وأولادها، إلا أن هذه المسؤوليات لا تتنافى مع السعي لأن تصبح قمة في التقوى، بل إن (تقواها) من أهم العوامل المساعدة لها كي تبني عشا عائلياً سعيداً مزدهراً.. وعلى المرأة أن تتذكر دائماً: كم من النساء بلغن القمة في تزكية النفس.
والنموذج الأسمى هو سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) فعلى كل امرأة شيعية أن تجعلها قدوة لها في كل الحقول، بدءاً من العبادة والتقوى. ومروراً بإدارة المنزل وكسب العلم وانتهاءً بالسياسة والاقتصاد والاجتماع.
ثانياً: الثقافة الرفيعة في مجالي الدين والعلم الحديث:
كان مرجعنا الفقيد (قدس سره) يشوق النساء دوماً للتعليم والتعلم والدراسة وقد أسس مدرسة حافظات القرآن في كربلاء المقدسة، وحوزة ومكتبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في قم، وحوزة في الزينبية بمنطقة السيدة زينب (عليها السلام) في دمشق.
وكذلك بتشويقه أسست المئات من اللجان والمجالس الدينية للنساء في كل أنحاء العالم. وكم من النساء اهتدين واعتنقن الإسلام ببركة هذه المجالس التربوية.
وعندئذٍ يمكن للمرأة أن تقوم بدورها الحقيقي وأن تسهم إسهاماً حقيقياً في شتى الحقول.
إن للمرأة دوراً كبيراً في المجتمع، وبإمكانها أن تسوق الأمة نحو العزة والاقتدار أو السقوط والانحطاط. وقد أدرك الغرب مدى تأثير المرأة، ولذلك حاول أن يقودها نحو مستنقع الفساد كي تبتعد عن الدين وتغفل عن أداء دورها الإستراتيجي. والإسلام بالذات جُعل في قفص الاتهام - ظلماً - في هذه القضية، بأن المرأة المسلمة رجعية-جاهلةً-متخلفة.
فهنا يتجلى دور ورسالة المرأة في إجهاض المشروع الاستعماري، عبر دور متميز ثقافياً واجتماعياً إذ بإمكان المرأة أن تقوم بأدوار مهمة وأن تجمع بين الاحتشام والحذر والستر، والتصدي للقضايا الاجتماعية والثقافية. يجب على المرأة أن تفهم منطق العصر وتستوعب المتغيرات وتقرأ الثقافة المعاصرة كي يمكنها التفاعل الإيجابي مع تطورات الزمان ومتغيرات الأفكار.
والآن، في عصر الفضائيات والإنترنت والتطورات العلمية الهائلة، وفي منظور الفقيد الراحل لابد أن يكون للمرأة دور أساسي ورؤية استشرافية للمستقبل عبر الأمور التالية:
أ) دراسة ثقافة العصر بالإضافة إلى دراسة الفقه والأصول.
ب) الكتابة والتأليف: فانطلاقاً من هذه الرواية عن الإمام الصادق (ع): (اكتب وبث علمك في إخوانك فإن مت فاورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج ما يأنسون فيه إلا بكتبهم) الكافي -ج1- ص54.
ويقول الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله تعالى عليه: (إن الأمم الحية دائماً تهتم بالكتاب كل الاهتمام، بينما الأمم الميتة لا تهتم به أي اهتمام. وما أكثر المثقفين القادرين على الكتابة في بلاد الإسلام سواء كان المثقف حوزوياً أو أكاديميا، وما أكثر المثقفات القادرات على تأليف الكتب).
فكما أنّ المرأة مطالبة بتعلم العلم، فهي مطالبة بنشره عن طريق التأليف والكتابة ويؤكد (قدس سره) هنا: (إن أول مؤلفة في الإسلام هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) فعلى المرأة أن تقتدي بسيدتها ومولاتها).
وكثير من النساء، بعد تشويقه، تشجعن للتأليف، وكانت في طليعتهن عقيلته الكريمة التي بدأت منذ سنوات بالتأليف وقد طبعت لها عدة كتب حتى الآن.
ج) الخطابة: فعلى كل امرأة أن تكون خطيبة بارعة، إذ إن الخطابة لها دور هام في بناء المجتمع. ومن الواضح أن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ترعرع في حضن هذه المجالس المباركة، وتمكن أن يصمد ويقاوم على مدى السنين مع كثرة الأعداء والمخالفين.
د) تكوين منظمات تهدف إلى تطوير النساء ثقافياً وعلمياً وإدارياً، ومنظمات تهدف إلى إعطائهن حاجاتهن، كلجان تزويج العازبات، وتكفل الفقراء والأيتام والأرامل و...الخ.
هـ) عقد مؤتمرات سنوية تدرس مشاكل المسلمين وتطرح حلولها، وعلى الأخص المشاكل التي تتعلق بشؤون المرأة المسلمة في كل أنحاء العالم.
و) إيجاد مواقع إنترنت لإيصال صوت الإسلام حول حقوق المرأة وواجباتها إلى العالم.
ز) بناء الحسينيات والمساجد والمكتبات الخاصة بالنساء في شتى أنحاء العالم.
ح) إقامة صلاة جماعة خاصة للنساء، كما أن النبي (ص) فعل مثل ذلك.
ط) عقد جلسات دورية للفتيات والنساء.
إن إمامنا الراحل، مع كثرة انشغالاته، كان يعقد في منزله جلسات أسبوعية لمحارمه وكانت كل واحدة منهن تخطب أمامه، بل كان يشجع حتى الأطفال على الخطابة، بحيث أن عدداً من أطفال العائلة أصبحوا يمارسون الآن الخطابة.
ثالثاً: تنمية وتربية الأجيال الصاعدة:
كان إمامنا الراحل (قدس سره) يهتم كثيراً بهذه المهمة الخطيرة التي تضطلع المرأة بالقيام بأسسها.
وفي الحقيقة ان الأم هي المربية والمكونة الأولى للمؤسسة البشرية، وما أعظم وأكبر هذا الدور الموكل للمرأة المسلمة.
إن أطفال اليوم بجهود الأم سيكونون عظماء المستقبل.
إن تلك الوصايا هي قطرة من بحر وصايا إمامنا العظيم وفقيدنا الكبير (قدس سره)، لكن أين نحن من تربية أولادنا وتوجيههم؟.
لماذا تهمش المرأة دورها في الحياة في مختلف الأبعاد؟!.
لماذا لا تكون المرأة قمة قي حقل التقوى والعلم؟.
أين حقوقها الضائعة؟
لماذا أضحت المسؤولة عن المؤسسة البشرية هي نفسها ضائعة؟!!
يا حبذا لو لبينا نداء مرجعنا الراحل (قدس سره) وقمنا بدورنا الحقيقي وعاهدناه على أن نسير على منهجه وأن نتابع أهدافه ومسيرته.
سيدي! سلام الله عليك يوم ولدت طاهراً، ويوم رحلت مظلوماً، ويوم تبعث شفيعاً مشفعاً.
اضافةتعليق
التعليقات