"أعاني من هبات حرارة شديدة، كأنها احتراق ذاتي، تهاجمني في أي وقت وفي كل مكان .. أحيانا ما أشعر بالوخز في كل جسمي. الحرارة وتشوش الرؤية يضايقاني في حياتي اليومية، سواء في عملي المعتمد على الكتابة والقراءة والبحث، أو في منزلي حيث أعباء المهام المنزلية وأعباء الرعاية. أصبحت عصبية جدا وأكثر ميلا إلى الانفعال أو الشجار".
هكذا حدثتني رباب، وهي سيدة في التاسعة والأربعين من العمر، عن بعض الأعراض التي تعاني منها بسبب اقترابها من مرحلة انقطاع الطمث. رباب بالتأكيد ليست الوحيدة، فغالبية النساء يعانين من تلك الأعراض التي قد تبدأ قبل توقف الدورة الشهرية بسنوات عديدة.
بالنسبة لبعض النساء، قد تمر هذه المرحلة بسلام بعدد قليل من الأعراض الخفيفة، في حين أن البعض الآخر قد يعاني من أعراض حادة، سواء الجسدية أو النفسية منها أو كليهما، يكون لها بالغ الأثر على حياتهن اليومية.
ورغم وجود مصادر كثيرة للتوعية في الغرب، سواء من خلال الهيئات الصحية الرسمية أو المنظمات الخيرية، فإنها تظل غير كافية. على سبيل المثال، أشار بحث أجرته البروفيسورة جويس هاربر أستاذة علم الإنجاب بجامعة كوليدج لندن إلى أن 90 في المئة من النساء لا يتلقين أي توعية في المرحلة التعليمية بشأن مشكلات انقطاع الطمث، وأكثر من 60 في المئة منهن لا يبدأن في البحث عن معلومات عنها إلا بعد أن تبدأ لديهن الأعراض.
وربما لهذا السبب أُعلن في المملكة المتحدة مؤخرا عن أول برنامج تعليمي من نوعه في البلاد، يهدف إلى زيادة الوعي بمشكلات انقطاع الطمث ودعم النساء اللاتي يعانين منها.
البرنامج الجديد سوف ينفذ بالتعاون بين جامعة كوليدج لندن وأبرز الجمعيات الخيرية المعنية بصحة المرأة في البلاد، كما ورد على موقع رابطة انقطاع الطمث البريطانية British Menopause Society.
بعد عناء، توصلت إلى صفحة على فيسبوك لطبيب مصري هو الدكتور، إيهاب إبراهيم، استشاري أمراض النساء والتوليد. الصفحة تنشر معلومات مفيدة عن الأعراض التي تسبق وتصاحب انقطاع الطمث والمتاعب الصحية والنفسية التي قد تنتج عنها.
تعرض الصفحة كذلك سلسلة من الحلقات بعنوان "كيف تتعاملين مع مرحلة انقطاع الطمث؟"، وهي عبارة عن حلقات توعوية نقاشية يديرها الدكتور إيهاب مع البريطانية هيلين موريس، وهي مدربة متخصصة في مجال التأهيل النفسي للنساء اللاتي يعانين من أعراض انقطاع الطمث (Menopause Coach). ويتم خلال هذه الحلقات الإجابة على الأسئلة التي ترسلها متابعات الصفحة.
عن الأسباب التي جعلته يقدم على هذه المبادرة، يقول الدكتور إيهاب: "صادفني كثير من السيدات اللاتي واجهن مشاكل بالغة الصعوبة ترجع إلى قلة الوعي والافتقار إلى الدعم من الأسرة وأصحاب العمل، والفهم السيء لآثار انقطاع الطمث ليس فقط في مجتمعنا العربي، ولكن في الغرب أيضا ولكن بنسبة أقل... استنادا إلى متوسط العمر المتوقع، تقضي النساء حوالي ربع حياتهن في هذه الفترة، لذلك من واجبي كطبيب مختص التوعية بتلك الأعراض وحدتها وأسبابها لتحديد التدخلات الصحية المطلوبة".
قائمة الأعراض التي قد تعاني منها المرأة في مرحلة انقطاع الطمث وما قبلها طويلة، وتشمل عدم انتظام الدورة الشهرية والهبات الساخنة والتعرق الليلي والأرق، وتغير المزاج وزيادة الوزن وضبابية الدماغ وحكة الجلد وانخفاض الرغبة الجنسية ومشكلات في الهضم والتهابات الثدي والشعور بالدوار والاكتئاب والتوتر وتغير رائحة الجسم، بل وتغير نبرة الصوت كذلك.
ما هو انقطاع الطمث وما أعراضه؟
النصائح التي يوجهها المختصون في الغرب عادة ما تهدف إلى "تخفيف" تلك الأعراض، وعادة ما تتضمن تناول غذاء صحي وممارسة الرياضة بانتظام، وأحيانا ما يوصف العلاج بالهرمونات التعويضية، كما تُنصح المرأة بتناول بعض الفيتامينات وغيرها من المكملات الغذائية.
تقول نورا، وهي في الثامنة والأربعين من عمرها وتعاني العديد من الأعراض التي تسبق فترة انقطاع الطمث منذ نحو ثماني سنوات، إنها لم تكن تعلم شيئا عن تلك المرحلة إلا بعد أن بدأت لديها تلك الأعراض.
"منذ أن بلغت سن الأربعين، وأنا أواجه مشكلات صحية عديدة – من آلام شديدة في مختلف أجزاء جسمي، إلى صداع نصفي يؤثر على نظري، إلى نوبات حزن أو توتر مفاجئة .. وفي كل مرة كنت أذهب إلى أطباء في مختلف التخصصات وأجري العديد من التحاليل والأشعة دون جدوى. لكنني بدأت ألاحظ أن تلك المشكلات تزداد عنفا مع اقتراب الدورة الشهرية، ثم اكتشفت من خلال بحثي على غوغل أن ما أعاني منه يتعلق بتغيرات هرمونية تسبق انقطاع الطمث".
تقول: "لا أعتقد أن الأطباء لدينا – أو على الأقل الكثير منهم، يقدّرون مثل هذا النوع من الآلام. ربما البعض يسخر أو يعتبر أن المرأة تتدلل. تعرفت على أعراض انقطاع الطمث من الإنترنت وبرامج قصيرة على تيك توك ومن واحدة من صديقاتي تكبرني بعام ونصف، فضلا عن إشارات لذلك في بعض المسلسلات الأجنبية".
من خلال حديثي مع بعض الأطباء المختصين في بعض الدول العربية، ومتابعة المقابلات الإعلامية لآخرين، لاحظت أن التركيز يكون على الأعراض الخطيرة مثل حدوث نزيف مهبلي، أو احتباس البول. وقالت لي طبيبة أمراض نساء إن المشكلة هي أن النساء أنفسهن يتحملن الأعراض الجسمانية الأخرى في صمت، ولا ينشدن المساعدة الطبية إلا عند الضرورة القصوى بسبب غياب الوعي.
الأعراض النفسية والعقلية أيضا لا يتم التعامل معها في كثير من الأحيان. يقول الدكتور إيهاب إن تجربته في الدراسة والعمل بكندا هي التي جعلته يهتم بتأثير انقطاع الطمث على صحة المرأة النفسية والعقلية "الذي يعتبره كثيرون في مجتمعاتنا العربية أمرا ثانويا".
كيف يمكن دعم المرأة في مكان العمل؟
بدأت جهات عمل في بريطانيا في توفير بعض الدعم للنساء في مرحلة انقطاع الدورة وما قبلها وما بعدها، حيث تجري بعض التعديلات مثل السماح بمرونة أكبر في دوام العمل، تغيير الزي الرسمي أو تعديل درجة حرارة أجهزة التكييف للتخفيف من وطأة الهبات الساخنة، السماح لهن بأخذ استراحات قصيرة عند الضرورة في مكان هادئ، أو أخذ إجازات مرضية لمتابعة الطبيب أو مغادرة العمل مبكرا إذا ازدادت حدة الأعراض لديهن.
تقول أمل، وهي امرأة أربعينية عاملة وأم لطفل صغير وناشطة في مجال حقوق المرأة إن الدعوات التي تطالب بألا تقع أعباء رعاية الأسرة على المرأة وحدها لا تترجم إلى واقع المرأة الذي ترى أنه لم يتغير:
"ما يحدث أن المرأة الموظفة تعاقب من جهة عملها على قيامها بوظائف وأعباء الرعاية، فما بالك لو طالبت بمراعاة آلام جسدية أو نفسية مثل آلام الدورة الشهرية أو انقطاع الطمث؟ لا يأخذ المجتمع معاناة المرأة على محمل الجد. عندما تكون هناك معاناة يشترك فيها الرجل والمرأة، يتم الاهتمام بها وأخذها على محمل الجد، أما معاناة النساء وحدهن فينظر إليها على أنها محض ادعاء أو دلع يتم تجاهله أو إسكاته أو السخرية منه".
"سن اليأس"
كل السيدات اللاتي تحدثت إليهن قلن لي إنهن يجدن حرجا في الحديث عن مشاكل انقطاع الطمث، تماما كما هو الحال بالنسبة لمتاعب الدورة الشهرية، ولا يثرن هذه المسألة إلى مع أمهاتهن أو شقيقاتهن أو صديقاتهن، وإن انقطاع الطمث لا يتم التطرق إليه إلا في سياق انعدام قدرة المرأة على الإنجاب.
تقول أمل: "لا يتحدث المجتمع، وأقصد بذلك وسائل الإعلام والدراما، عما يسميه سن اليأس إلا من زاوية عدم قدرة المرأة على الحمل أو أنها تقدمت في السن. لم يحدث أبدا أن تحدث عمل درامي عن معاناة جسدية أو نفسية تمر بها المرأة في هذه المرحلة، ولم أسمع عن أي حملات إعلامية صحية تتناول الموضوع".
وربما كان للتغيرات التي تطرأ على صحة المرأة دور في ترسيخ مفهوم أن انقطاع الطمث هو "سن اليأس"، كما يقول الدكتور إيهاب:
"للأسف الشديد لا زال في مجتمعاتنا العربية بعض الموروثات، التي [تنظر] إلى هذه المرحلة على أنها مرحلة تمثل نهاية القدرة على الإنجاب وبدء مرحلة الشيخوخة. كما قد تسبب التغيرات الهرمونية لدى المرأة في هذه الفترة والتي تؤدي إلى تغييرات في صحتها العامة، والشكاوى المتعلقة بصحتها النفسية والجسدية والجنسية والحركية في ترسيخ هذا المعتقد، وبالتالي ينعكس ذلك على صورتها الذاتية وثقتها بنفسها فتمتنع عن المصارحة وطلب الدعم".
صحيح أن النساء يفقدن قدرتهن على الإنجاب مع انقطاع الطمث، لكن ذلك لا يعني فقدانهن القدرة على العطاء في كافة مجالات الحياة الأسرية والمجتمعية. كما أنه لا ينبغي أن يعني معاناتهن من متاعب جسدية ونفسية في صمت بدون دعم أسري ومجتمعي، وبدون طلب المساعدة.
يقول الدكتور إيهاب: "أنصح كل سيدة أدت وتؤدي دورها على أكمل وجه أنها، كما تعتني بمن حولها، فهي بحاجة إلى الاعتناء بنفسها أولا لكي تتمكن من مواصلة المسيرة".
تم تغيير أسماء السيدات اللاتي تحدثن عن تجاربهن بناء على رغبتهن. حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات