من أجل إبراء الذمة أمام الله عز وجل في تطبيق الأحكام الشرعية والسنة الالهية لبني البشر وكل حسب موقعه الاجتماعي، نلاحظ بروز مراسيم عديدة تؤكد على أهميتها وضرورة العمل بها من أجل غرس المفاهيم الاسلامية الصحيحة.
ومن تلك المراسيم هي إقامة حفلات سن التكليف الشرعي للفتيات والتي باتت ملتقيات تفرح القلب وتبهج الروح، كونها تهتم ببناء شخصيات أمهات المستقبل وفق أسس رصينة، تؤهلهن لإعداد جيل يعتمد عليه يتحلى بالأخلاق السامية وفق مخطط رباني سليم، نظرا لما تضمه من فعاليات ترسخ في اذهانهن أهمية التزامهن الشرعي.
كل ماتقدم ذكره انفا يصب في المصلحة العامة في حفظ المجتمع من الانزلاقات الأخلاقية، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الاذهان هو، هل اصلاح المجتمع وتحديد مستقبل أجياله يكمن في الاهتمام بتقويم نصفه؟ وأقصد المرأة فقط؟ وأنا أعلم المهمة الكبيرة التي تقع على عاتقها كما وصفها شاعر النيل حافظ ابراهيم في قصيدته المعروفة بالعلم والأخلاق إذ قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
ترى هل يكفي هذا في بناء المجتمع؟ أم بتقويم نصفه الآخر أيضا وأقصد به الرجل؟ فإن كان الجواب بتقويم كليهما إذن لما لا نشاهد احتفالات سن التكليف للصبيان أيضا؟ لماذا يمر تكليفهم الشرعي مرور الكرام دون اقامة احتفالات مشابه كتلك التي تقام للفتيات؟.
فكما هو دارج ومعروف حين يخطئ الطفل بتصرف ما، يلقى باللوم على أمه مباشرة كونها الحاضن له منذ أن نفخت في جسده الروح ويلازمها فترة طفولته إلى أن يشتد عوده، والأب أين دوره هنا؟ هل التربية أنيطت فقط بالمرأة؟ إن قلنا أن الأب عليه مهام سد رمق عائلته من جوع وعطش واكساء ابدانهم وإن كان الأب يفتقر للثقافة الدينية فلا يبالي إن كان مكسبه حلال أم حرام، هنا تبرز المشكلة الكبيرة في توفير لقمة الحلال لأسرته، مما ينعكس سلبا على ابناءه، والتي لطالما حذرنا منها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه واله فقال: "من أكل لقمة حرام لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، ولم تستجب له دعوة أربعين صباحاً، وكل لحم ينبته الحرام فالنار أولى به، وإن اللقمة الواحدة تنبت اللحم".
وكما قال سيد الشهداء عليه السلام ضمن خطبته لجيش ابن سعد: "فقد مُلئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصفون ألا تسمعون"، كل ذلك يحدث من لقمة حرام واحدة إذن ألا يجدر بنا أن نحيط آباء المستقبل بالعناية والاهتمام تماما كما نفعل لأمهات المستقبل؟.
فهذا الصبي سيكبر ويحمل كل ما خزنته ذاكرته من تفاصيل تربوية وارشادية، وسيكون هو بدوره قدوة لأبناءه مستقبلا وهكذا تتعاقب الأجيال وتتوارث عادات أسرية زرعت بذرتها في قلب وروح وفكر مؤسس الأسرة، فالاعداد لهذا اليوم المميز في حياة المكلفين يسبقه توضيحات مستمرة للواجبات والمحرمات وبأسلوب بسيط يشد الطفل إليه وليس بلغة عنيفة تنفره من الاستماع وترعبه، كرفع الصوت ونظرات غضب ووعد ووعيد بأن نار جهنم تنتظره مما سينعكس سلبا. هذه دعوة حقيقية لنا ولكم ولكافة الجهات المسؤولة ومن ضمنها الأسرة، إلى تفعيل هذا الدور وتنظيم احتفالات حتى وإن كانت بسيطة، تدعم تلك الشريحة وتؤهلها لتحمل مسؤوليتها المناطة بها من خلال فعاليات محددة ترسخ في أذهانهم بداية انطلاقهم في عالم التكليف الشرعي وتطبيق احكامه دون أن ننظر إلى سن التكليف على أنه أمر عادي ونقنع أنفسنا أنهم سيتعلمون أمور دينهم عاجلا أم أجلا.
فنحن كأمهات وآباء نحرص دائما على تهيئة كل ما يفيد أبناءنا من ناحية المأكل والملبس وندقق في كمية الطعام المناسبة لتغذيتهم حفاظا على صحتهم الجسدية، كذلك الواجب أيضا أن نركز على تثقيفهم دينيا وروحيا ليتسنى لهم السير وفق المخطط الرباني الذي يضمن لهم طريق الوصول إلى مرضاة الله عزوجل والفوز بسعادة الدارين.
اضافةتعليق
التعليقات