"يُمكنك أن تُصمم وتخلق، وتبني المكان الأكثر من رائع في العالم أجمع، هذا سيدفع الناس أيضًا إلى جعل أحلامهم حقيقة.
هكذا كان يقول والت دزني، وهكذا كان يشعر بعمق مسؤوليته في تحقيق حلمه، والتي ستكون تجربة مُلهمة بدورها للجميع لتحقيق أحلامهم وجعلها حقيقة واقعة.".
فبهذا الفكر الصلب والإصرار الدائم نحو النجاح استطاع أن يأسس دزني أكبر شركة للرسوم المتحركة لتصبح فيما بعد من أعظم التكتلات السينمائية والإعلامية على مستوى العالم.
رحلة الفشل في حياة والت دزني:
بعد موجة الفشل التي شاهدها والت في حياته المهنية لم يتوقف ولم ييأس وكان دائما يحاول الوقوف على قدميه والسعي من أجل النجاح، فمن الصعب جدا أن يعيش الأمل في قلب رجل تعلم على الفشل في حياته، لكنه أبى أن تلتصق صفة الفشل عليه وحاول مرارا وتكرارا وعمل جاهدا ليكون النجاح في النهاية من حليفه.
"في عام 1911 حين كان عمر والت لا يتجاوز السنوات التسع، انتقل مع أسرته إلى مدينة كنساس بعد مرض والده الذي اضطره إلى بيع مزرعته، وحاول الوالد أن يستثمر ثمنها في الحصول على حق توزيع الصحف على ألفي عميل، فاعتمد على ولديه والت وروي لإيصال الصحف للمشتركين، وهو ما كان يدفع والت للاستيقاظ في الثالثة والنصف فجرًا ويتخلى عن دفء سريره لأداء عمله، كما يستغرق منه نحو الساعتين بعد الظهيرة لتوزيع الصحف المسائية.
وكان أعظم ما يتوق إليه والت وقتها هو أن يحصل على دخل إضافي ثابت من خلال توزيع 50 صحيفة على قائدي المركبات في السادسة والنصف صباحًا بالإضافة إلى عمله مع أبيه، وعندما أعلن لأبيه فكرته أصرّ أن يكون ربح هذا العمل لحسابه، وهو ما دفع والت للاتفاق سرًا مع موزع جرائد آخر للحصول على النسخ الخمسين منه بعيدًا عن أعين أبيه.
وفي عام 1917 بدأ والت في الرسم لصحيفة الطالب، ولكن مغامرته الأكبر كانت كذبته بشأن سنه بمساعدة والدته حتى يتمكن من الانضمام إلى فريق الإسعاف التابع للصليب الأحمر في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، وهو ما قاد والت إلى فرنسا في عام 1918 حيث بدأ ولمدة تسعة أشهر في قيادة شاحنات الإمداد وسيارات الإسعاف ونقل الضباط.
عاد والت إلى أسرته التي تشتت شملها، وفقًا لكتاب الأخوين جرين، عام 1921 إذ انفصل والت عن أسرته وعثر وقتها على منزل يؤجر بعض الغرف، كما استطاع استئجار مكان صغير لينتج فيه أفلام رسومه المتحركة، ووضع كل تركيزه في العمل، وأنتج إعلانًا لشباب كانوا مهتمين بتعلم هذه الحرفة، لم يكن يحصل منهم على مال ولا هم كذلك، وقد كان الاتفاق بينهم أن يعلمهم ووعدوه هم أن يشركوه في الأرباح في المستقبل، كل ذلك لم يكن يوحي أبدًا بكل التوسع الذي سيصل إليه مشروع والت وحلمه."[1]
يروي الأخوان جرين أنه في عام 1928 حين كان والت ديزني الشاب البالغ من العمر 26 عامًا وزوجته ليلى يهمّان بالعودة إلى بيتهما في كاليفورنيا من نيويورك، كتب والت برقية إلى شقيقه الأكبر وشريكه في العمل روي يقول فيها «لا تقلق، كل شيء على ما يرام، سأخبرك بالتفاصيل فور وصولي»، كانت الكلمات مقتضبة قصيرة لكنها بلا أي معلومة متماسكة، هي فقط تعبر عن شيء ما مبهج قد حدث، وقد كان هذا الشيء في حقيقته هو أن استوديو تصوير رسوم ديزني الذي أسسه الأخوان ديزني قد انهار وأفلس.
في القطار الذي يقلّ والت وزوجته بعدما أرسل البرقية لأخيه كانت المشاهد تتداعى في ذاكرته، فقد ذهب إلى نيويورك متأكدًا من أن الشخصية الكارتونية للأرنب المحظوظ أوزوالد التي ابتكرها ستفتح له أبواب العمل والنجاح، لأنها بالفعل تمكنت من الوصول إلى الأطفال وجعلتهم يحبونها ويتعلقون بها، ذهب والت إلى نيويورك طالبًا دعمًا ماديًا أكثر لتطوير شخصية أوزوالد، وكان متأكدًا أن تشارلي منتز المسؤول عن توزيع أعماله الكارتونية على دور العرض لن يتردد في دعم هذا النجاح، إلا أن منتز فاجأه بأنه لن يعطيه أي أموال، بل إن الدفعات المالية التي يحصل عليها والت منه ستقلّ بعد ذلك، وستصبح مجرد أموال ضئيلة لن تمكِّن والت من البقاء في سوق العمل.
حاول والت تهديد منتز بأنه سيعطي شخصيته الكارتونية لأي موزع آخر، لكنه كان قد سبقه بخطوة وأقنع الرسامين العاملين معه أن يعملوا لحسابه بدلًا من والت نظير مقابل مادي أكبر، وكانت تلك الصدمة القاضية لوالت وشركته المبدئية الصغيرة، والتي بالكاد مكنته حينها من إنقاذ جهاز كاميرا، ونسخة من عمله الأصلي «أليس في بلاد العجائب» من أيدي الدائنين، وبعد جمع بعض المال من عمله في التقاط الصور الفوتوغرافية لصالح بعض الصحف المحلية، توجه والت غربًا نحو هوليوود ليبدأ من جديد.
ولادة الفأر ميكي ماوس:
"عندما سُئل والت ديزني – Walt Disney في مقابلة له في قناة تليفزيونية أي الشخصيات الكرتونية التي ابتكرها أقرب إلى قلبه، أجاب دون تفكير أو تردد ميكي ماوس – Mickey Mouse بأذنيه السوداوين الكبيرتين، حتى أنه علق مرة بكل تواضع قائلاً: «آمل ألا ننسى أبداً أمراً واحداً، وهو أن كل هذا النجاح انطلق من فأر»"[2].
فمن كان يتصور بأن شخصية كارتونية بسيطة من الممكن أن تحقق كل هذا النجاح الباهر ويصبح هذا الفأر الصغير محبوب الجماهير، المحاولة هي التي تثبت للإنسان بأن الأشياء الصغيرة من الممكن أن تحقق إنجازات كبيرة.
"بدأت رحلة ميكي ماوس مع والت ديزني، ذلك الشاب الطموح الذي يعشق الرسم، حين عقد ديزني العزم على امتهان الفن، وبعد استحواذ الأرنب «أوزوالد» من قبل شركاء ديزني، علم ديزني أن عليه ابتكار شخصية أخرى توازي شعبيتها شخصية الأرنب أوزوالد، فراح يرسم بطريقة عابثة إلى أن ظهرت معه شخصية الفأر مورتيمر الذي كان يشبه أوزوالد، ولكنَّ أذنيه مستديرتان وليستا ممدودتين. وعندما عرض ديزني ابتكاره الجديد على زوجته ليليان، قالت له إن اسم مورتيمر غير مناسب، واقترحت عليه أن يستبدله باسم ميكي، والذي كان بمثابة قصة نجاح طويلة.
على الرغم من ذلك، لم تكن بداية ميكي ماوس موفقة، وظهر للمرة الأولى في الفيلم الصامت القصير «الطائرة مجنونة» عام 1928، ثم «Gallopin Gaucho»، إلا أنهما لم يحققا النجاح المرغوب. أما في عام 1929 فقد تكلمت شخصية ميكي ماوس على لسان مبدعها والت ديزني، قائلًا الجملة الشهيرة «هوت دوج.. هوت دوج»، أثناء بيع ميكي للنقانق في الفيلم القصير «The Karnival Kid»، وفي نفس العام، أسس والت ديزني «نادي ميكي ماوس» لمعجبي الشخصية الكرتونية، واستمر الفأر النجم في التألق بعدها، ولعب دور البطولة في أكثر من 120 فيلماً للرسوم المتحركة. في عام 1978، وفي عيده الخمسين حصل ميكي ماوس على نجمة على رصيف الشهرة في هوليوود، ليصبح بذلك أول شخصية كرتونية تحظى بنجمة على ممشى النجوم في هوليوود. واستحق ديزني جائزة أوسكار مميزة في العام 1932، وذلك من أصل 22 جائزة أوسكار حصل عليها خلال مسيرته، بعدما تم ترشيحه 37 مرة."[3]
اضافةتعليق
التعليقات