عملاقٌ، وفيٌ، شهمٌ، ناصرٌ، مُحبٌ، مُواليٌ، نافذُ البصيرة، ولدتهُ امرأةٌ من فحول العرب، وأما سيرته مع ماء العلقمي فلم تزد في شجاعته شجاعة، فالعبَّاس هو العباس كما عرفناه، بطلٌ مقدامٌ ضرغامٌ في كَربلاء، وبدون كربلاء، فأين ما حل وكان هو والشجاعة ذاتًا واحدة.. ألم ينادي بأعلى صوته حينما حَمِي الوَطِيس "أَنَا الَّذِي أُعْرَفُ عِنْدَ الزَّمْجَرَةِ بِاِبْنِ عَلِيٍّ الْمُسَمَّى حَيْدَرَة".
فارسٌ هُمامٌ ضرغامٌ جَسورٌ في الحروب، لم يتصف غيره بلقب "ساقي بني هاشم"، نزل المَشرعة بإيمانٍ ونفاذِ بصيرة وساق نفسه الشَّريفة للموت، ولم يذعن له ولم يستسلم، بل استمر في جهاده باذلًا مهجته، فداءً لأخيه وعترته، حتى أحاطته عساكر ابن سعد لعنهم الله من كل صوب وحدب، ومنعوه من الوصول بمائه إلى الخيام، بعد أن دَبّر له كمين من وراء نخلة، وقُطعت يمينه وشماله، وفُضخ رأسه الشَّريف بعمود، وعُميت عيناه بسهم، إلى أن وافته نعمة الشهادة، فمات شهيدًا سعيدا ، وأبدله الله تعالى من دون سائر الشهداء ، ب"جناحين" يطير بهما في الجنان مع الملائكة كعمه جعفر بن أبي طالب سلام الله عليهما.
أما مسألة امتناعه عن الشرب من ماء الفرات، فهو أمرٌ عجاب، مع شدة ما تكبدته كبده من لوعة العطش وحرارة الهجير، الذي لا تقوى على تحمله إلَّا نفس أبية كنفس أبي الفضل العبَّاس، الشّجَاعة المُثابِرة الباسلة، التي عَادلها الحسين بنفسه، عندما طلب منه أن يحضر الماء لخيامه وأطفاله قائلًا له: "أركب بنفسي يا أخي.."
الحسين لم يغب ولا للحظة واحدة عن عين قمر بني هاشم العباس صلوات الله عليه ، كان أمام ناظريه ، في كل نزلاته وكراته وفراته ، أين ما حلّ وقام، العباس ظل أخيه، غير مكترث لضربات العدو التي تسارعت عليه كالسيل الجارف ، وحق لأخيه سيد الشهداء الحسين صلوات الله عليه أن يقول بعد فقده "الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي..".
ووجوده صلوات الله عليه إلى جنب أخيه "الليث" "الضَّيغَم" الحسين، وضمن مُعسكره في ساحة القتال ، يعني ذلك زلزال قد حل بمعسكر العدو، وسيفنيهم في لحظات عن آخرهم ، وسيحصد رُؤُوسَهم ويرغم أنوفهم، بِسطواتهما وسؤددِ بَتَّاريهما .
وكانت محاولة التفريق والفصل بين هذين البطلين في ساحة القتال، أمنية وحلم العسكر الأموي الغاشم ، وما فعله الشمر بن ذي الجوشن "لعنه الله" ليلة عاشوراء ، من طلب الأمان من يزيد لأبي الفضل وأخوته، ما كان إلّا ليستميلهم ويقربهم إليه ، لكنها كانت محاولة باءت بالفشل وعادت عليه منهم باللعن والشتائم ، فناداه العباس بن علي صلوات الله عليهما ( تبت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله أتأمرنا ان نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة عليهما السلام وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء).
ومن العجيب والغريب على عقولنا المحدودة ، ما نَقلته عنه ، أي عن"العباس " وعن شهامته وإيثاره" ، مضمون الروايات عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين ، انه حتى بعد مماته واستشهاده لمْ يقبل ولن تقبل نفسه الأبية أن تشرب من ماءِ الحياة قبل أن يشرب منه أخوه الحسين، ذلك الماء الذي لابد أن يشربه كل شهيدٍ من بني هاشم بعد الممات من يد وكأس جده المصطفى.
ألَا يحق بعد كل هذا، أنْ تغبطك يا "ذا الجناحين" و يا "أبا الغوث "، بتلك المقامات والمنازل الشريفة ملائكة الجنان وشهدائها؟ ، سيما وأنت مَنْ وصف فيك عمك الإمام علي بن الحسين السجاد صلوات الله وسلامه عليكما "وإِن لِعَمي العَبَّاس مَنزِلةً يَغْبِطُه عَليهَا جَميع الشُهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ يَوم القِيَامَة".
إذن ما الذي أنت صانعه " أيها "الضرغام البطل"، في عالم الرجعة أي في رجعتك وكرتك الكريمة العاجلة مع أخيك الحسين بعد ظهور عاجل غير آجل لموعودكم المنتظر المهدي ، وماذا ستفعله حينما يَنْبض منك العِرقُ الهَاشِمي مرة أخرى؟.
فمن أراد ادراك سفينة الحسين واللحاق بها، فليأتها من بابها "باب الحوائج "قمر بني هاشم" ، فهو باب "الحسين" الذي منه يؤتى ،..إلهي بحق (كاشف الكرب عن وجه الحسين اكشف كرب كل مؤمن ومؤمنة بحق أخيه الحسين).
اضافةتعليق
التعليقات