من ضمن برامج المؤسسات النسوية الفاعلة اجتماعها لطرح ومناقشة المواضيع المهمة والتي تزيد من فاعليتها وتطوير عملها بشحذ هممها، فكان لها اجتماعاً إلكترونياً وذلك يوم 6 ربيع الثاني 1442 هـ الموافق 22 من شهر نوفمبر لعام 2020 م، على منصة التواصل الاجتماعي الواتساب، لمناقشة وبيان دور المرأة في الحياة.
وكان لسماحة السيد مهدي الشيرازي كلمة وجهها لهن للتزود والاستفادة ببيان يشمل مكانة المرأة ودورها فقال مبتدئاً كلمته: أتحدث بإذن الله تبارك وتعالى حول جانباً من وظيفة النساء وأدوارهن في هذا العالم الذي نعيش فيه. ماهي وظائف المرأة؟ وما هو دورها في الحياة؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن نعرف قيمة المرأة ومكانتها فلا يمكن أن نحمل الفرد دوراً معيناً ما لم نعرف قيمته وقدراته وقابلياته ولا يمكن معرفة قابلية الشيء وقدراته إلا من طرق صانعهِ وخالقهِ.
مثلاً هذه الوسائل الحديثة التي نشاهدها كالحاسوب والموبايل وما أشبه ذلك لا يعرف قابليتها إلا مخترعها والشركة المنتجة لها ولذلك ترون الشركة تقوم بتزويد المستخدم بكـراسة صغيرة تحتوي على جميع الخصوصيات لهذا الجهاز وذلك لكي يسهل الأمر على المستخدم لكي يعرف كيف يتعامل مع هذا الجهاز ويضعهُ في موضعهِ المعين. فلو خالف المستخدم القوانين الواردة في هذا الكراس وحمّل الجهاز أكثر من طاقته سيتسبب بتعطيل الجهاز، فلا يمكن الإستفادة منه، وإذا كان هذا حال جهاز صنعه الإنسان فما بال حال الإنسان رجل أو إمرأة؟!.
المرأة كانت في العصور السابقة مغلوب على أمرها، منتهكة الحقوق، مسلوبة الحريات، لذلك لم يسمحوا لها أن تُظهر قدراتها، أو تمارس دورها المشروع في الحياة لتشارك في بناء وتطوير المجتمع.
في كتاب للمرحوم الوالد (رحمه الله تعالى) كتاب المرأة في المجتمع المعاصر يصف المرحوم الوالد (رحمة الله عليه ) حال المرأة في التاريخ وكيفية التعامل معها عبر مختلف العصور وفي امتداد الزمن، يقول في مقطع من الكتاب نبتدئ بلمحة مختصرة عما جرى على المرأة عبر التاريخ وقبل بزوغ شمس الإسلام مروراً بالأمم غير المتمدنة وحياة المرأة في الأمم المتمدنة قبل الإسلام، ثم المرحلة الذهبية التي طرأ عليها تغيراً وتطوراً وعزاً واحتراماً وضمان لجميع الحقوق في فجر الإسلام ثم حياة المرأة من خلال ما يسمى بالمدنية والحضارة الغربية فيبين أولاً حياة المرأة في الأمم غير المتمدنة كالأمم التي كانت تسكن في بعض مناطق أفريقيا وأستراليا والجزائر البعيدة وأميركا القديمة وغيرها ثم ينتقل إلى بيان حال المرأة تحت ظل ما عرف بشريعة حمورابي ثم يتطرق إلى بيان حال المرأة السومرية ثم النساء في بلاد الروم ثم المرأة اليونانية ثم الصينية ثم المصرية ثم الفارسية ثم الهندية ثم المرأة في عصر الجاهلية إلى أن يصل إلى عصرنا الحاضر.
لذلك نشاهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) يأمرنا بالاعتبار بالأمم السابقة وما كان منها.. في خطبة القاصعة وهي خطبة مهمة جدًا تستحق أن يراجعها الإنسان ويحفظها لما تحمله من مضامين عالية وبيان لبعض القيم المهمة في حياة الإنسان يقول أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الخطبة يخاطب الناس:
فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَبَنِي إِسْحَاقَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الْأَحْوَالِ، وَأَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الْأَمْثَالِ! إلى أن يقول:
فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَوَبَرٍ، أَذَلَّ الْأُمَمِ داراً، وَأَجْدَبَهُمْ قَرَاراً، لاَ يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا، وَلاَ إِلَى ظِلِّ أُلْفَةِ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا، فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ، وَالْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ، وَالْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ، فِي بَلاَءِ أَزْلٍ، وأَطْبَاقِ جَهْلٍ! مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ، وَأَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ، وَأَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ، وَغَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ.
انظروا كيف تطرق أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أولاً إلى اضطهاد المرأة ثم عبادة الصنم مع أننا نعلم أن أهم شيء في الكون هو التوحيد ولكن حينما يريد الإمام أن يشير إلى تخلف أولئك الأقوام واضطراب أحوالهم وتفرقهم أول أمر يشير إليه هو وأد البنات ثم يقول وأصنام معبودة.
هذا الإضطهاد للمرأة مستمر إلى يومنا هذا ولكن بطريقة مختلفة، بصياغة عصرية تميل نحو التحلل الخلقي والانحراف فلا يكاد يكون الحديث عن المرأة إلا وحُصر في ابراز مفاتنها وجمالها بمختلف الطرق وكأنها سلعة بل أسوأ من السلعة حيث تأتي المرأة لتعرض السلع للبيع فتكون الرغبة في المرأة مقدمة لشراء السلعة في الدعايات التلفزيونية فترى المرأة وقعت في يومنا هذا بين افراط وتفريط، فمن جهة ظَلمها الغربيون في شخصيتها الاجتماعية والعائلية من خلال أساليب وممارسات غير إنسانية، إذ أنهم في الواقع أرادوا استخدامها كوسيلة للكسب المادي الرخيص عندما جعلوها سلعة سهلة رخيصة في متناول الجميع وأداة امتاع للإرضاء وإشباع الغرائز والشهوات المنحرفة والمُحرمة ودفعوها للوقوع في المحذورات فأبعدوها عن دورها الحقيقي وانتهكوا إنسانيتها وحقوقها الاجتماعية وسلبوها كرامتها وكل ذلك بغلاف المطالبة بحرية المرأة والمساواة مع الرجل.
هذا من جانب، ومن جانب آخر نجد بعض الناس يضع المرأة في زاوية ضيقة ويمنعها من حقوقها المادية والإنسانية ومن أداء دورها الحقيقي في الأسرة وفي المجتمع وبشكل مشروع وهي جاهلية جديدة وموروثات وتقاليد اجتماعية ليست من الدين في شيء، وكانت النتيجة أنْ ظلمت المرأة تارة في يد غير المسلمين المدعين للحضارة والتطور والتمدن وأخرى بيد بعض المسلمين.
مكانة المرأة وقيمتها
إذا أردنا أن نعرف مكانة المرأة وقيمتها فلا بد وأن نراجع صانعها وهو الله تبارك وتعالى الخالق والصانع هو العالم بقدرات مخلوقهِ ومصنوعه، الله تبارك وتعالى هو العالم بقدرات المرأة وقابلياتها وشخصيتها ومكانتها فلا بد من مراجعة القرآن الكريم والروايات الشريفة الواردة في هذا المجال لنعرف مكانة المرأة فنجد القرآن الكريم يهتم بالنساء اهتماماً خاصاً وقد تحدث عنهن في أكثر من عشرة سور كالبقرة والمائدة والنور والأحزاب والمجادلة والممتحنة والتحريم بل إنه تبارك وتعالى سمى عدة سور بأسماء ترتبط بالنساء مباشرةً كسورة النساء ومريم والكوثر وهذه السور الثلاثة تشكل حوالي جزئين من القرآن الكريم.
الحضور المميز للمرأة في القرآن الكريم بمختلف الألفاظ تارة يعبر عنها بالمرأة وتارة الأنثى وتارة بالأم وتارة الوالدة والأخت والبنت، هذا الحضور المميز يعكس جانبا من أهمية المرأة ومكانتها في أهم كتاب للبشرية على الإطلاق وهو القرآن الكريم وذلك يكشف شدة اهتمام الدين بها.
وأما الروايات الشريفة فهي بالمئات إن لم نقل بالآلاف ومضمون بعضها مهم جداً، انظروا إلى مقام الوالدين الأب والأم حيث نزلت الآية الكريمة في حقهما (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ) والروايات الشريفة رفعت مكان النساء إلى قريب من ذلك فقد قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث فما للنساء على الرجال؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرني أخي جبرائيل ولم يزل يوصي بالنساء حتى ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها أُفٍّ.
فقال جبرائيل: يا محمد اتقوا الله عزّ وجل في النساء.
لاحظوا قيمة المرأة عند الله حتى أن الله تبارك وتعالى يرسل جبرائيل يوصي بهن ويؤكد مراراً وتكراراً حتى يظن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لا يحل لزوجها أن يقول لها أُفٍّ، ومن المعلوم أن ظن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس كظنوننا بل هو ظن إنسان معصوم في أعلى درجات العصمة والكمال، هذا بغَض النظر عن معنى الظن... الذي قد يطلق على العلم.
وفي حديث آخر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور. (كما في كتاب الكافي الشريف).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): من أخلاق الأنبياء حب النساء. الكافي الشريف.
وفي حديث آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كلما ازداد العبد إيمانا ازداد حباً للنساء.
وعشرات الروايات الأخرى الواردة في شأن الإهتمام بالمرأة بنتاً أو زوجة أو أم.
هذه لمحة مختصرة عن مكانة المرأة في القرآن الكريم والروايات الشريفة.
وظيفة المرأة
الآن نبين ما هي وظائف المرأة؟ وما هو دورها في الحياة؟ كتاب المرأة المسلمة طالعوه واعملوا بما فيه ليضمن لكم السعادة الدنيوية والأخروية.
أما ما أريد بيانهُ حول وظيفة المرأة ودورها في هذه العُجالة أبينهُ ضمن نقاط ثلاثة:
النقطة الأولى: التفكير
لا بد للمرأة أن تترك مساحة لنفسها، تعتني بروحها ومعنوياتها وكمالاتها. المرأة عادةً مشغولة في كثير من وقتها بإعداد الطعام وتنظيف البيت ومراجعة دروس الأولاد. حينما تكون بنتاً فهي مشغولة بالدراسة والعمل البيتي، وحينما تصبح زوجة فهي مشغولة بالزوج بالإضافة إلى العمل البيتي وربما الدراسة أيضاً، وحينما تصبح أمُ فهي مشغولة بالأولاد بالإضافة إلى اشتغالها بشؤون الزوج وبالعمل البيتي وربما بالدراسة وربما بالوظيفة. فأي وقت سيبقى لديها لتُكوّن نفسها وتُربي ذاتها لترفع من معنوياتها لا بد من تخصيص مساحة ولو قصيرة من الوقت يومياً لترفع من كمالات نفسها وتعتني بذاتها.
حبذا لو في كل يوم ساعة بعد صلاة الصبح مثلاً حيث الخلوة في البيت، حتى لا يتعارض مع حقوق الزوج أو الأولاد، أو تخصص أي وقت آخر لا يكون الزوج فيه موجود، والأولاد في المدرسة أو نائمون مثلاً فتعتني بنفسها، هذه نقطة مهمة جداً في خضم الأعمال اليومية البيتية أو في دائرة العمل إذا كانت موظفة أو مربية أو مدرسة أو خطيبة وما أشبه ذلك. لا بد لها أن تعتني بنفسها لتصنع من نفسها تلك المرأة التي يرضاها الله ورسوله وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم، ولكن ماذا تفعل في تلك الساعة الخاصة؟ يمكن لها أن تخصص مقداراً منه للتفكير في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام: (تفكر ساعة أفضل من عبادة سنة). كيف تفكر، وبماذا تفكر، تفكر في شؤون نفسها، في شؤون خلقة الله، في شؤون الآخرة.
ما هي الوظائف المُلقاة عليها، وهل أدت دورها في الحياة؟ وما هي النواقص؟ وما هي الكمالات؟ ثم تقيّم ذاتها وتعطي لنفسها درجة ثم تحاول أن ترتقي يوماً بعد يوم في تحصيل الدرجات العالية، كما هو الحال في المدرسة، أو الجامعة مع فارق وهو أن في الجامعة أستاذ يقوم باختبار الطالب ليعطيه درجة وهنا الفرد يقيم ذاتهُ ليعطي لنفسه درجة فلا مجال للخدعة حيث لا يمكن للإنسان أن يخدع نفسه وإن تمكن من أن يخدع أستاذه.
في حديث لطيف السائل يسأل الإمام الصادق عليه السلام: كيف يتفكر؟
تفكر ساعة أفضل من عبادة سنة؟
يا ابن رسول الله: كيف يتفكر؟
قال (عليه السلام): يمر بالدور فيقول: أين بانوك؟ أين ساكنوك؟ ما لك لا تتكلمين؟.
هذه موعظة للنفس، إلى متى التعلق بالدنيا! هذه الدنيا التي لم ترحم غيري، هل ترحمني؟ إذا أنا لم أبنِ آخرتي، فمن يبني لي آخرتي؟ إذا لم أرحم نفسي فمن يرحمني؟ فتكون لها انطلاقة جديدة لكي تسير إلى الأمام وتتقدم خطوة خطوة فالوظيفة الأولى للمرأة أن تعتني بنفسها في خضم أعمالها ومهامها تجاه الآخرين عائلة ومجتمع.
النقطة الثانية: تربية الأجيال
إن دور تربية وتعليم الأجيال من الأدوار المهمة والمؤثرة لبناء المستقبل لكل البشرية ولكن للأسف يُنظر إليها في بعض المُجتمعات باحتقار فلا أحد يعرف قيمة هذا الدور للرجال والنساء ولا حتى المجتمع. ومن أسباب إهمال الدور: هيمنة الحضارة الغربية وغلبة التيار المادي، قوام التربية الصالحة أن تكون المرأة مؤمنة وعالمة ومثقفة ومتخلقة بالأخلاق الحسنة، فإن هذا سيترك أثره على الأجيال. الطفل يتأثر بأمه أكثر مما يتأثر بغيرها ولذا فإن كلامها وسلوكها وأخلاقها وفكرها يترك انطباعاً في نفسية الطفل.
هل يمكن للأم الجاهلة أن تربي أولاداً علماء؟ كلا.
هل يمكن للأم التي تكذب أن تربي أولاداً صادقين؟ هل يمكن للأم غير الملتزمة بصلاتها تصلي يوماً وتترك يوماً، تصلي يوماً أول الوقت وفي يومٍ آخر الوقت، ويوم تصلي بسرعة فائقة مما يوحي إلى أولادها عدم أهمية الصلاة حتى تلك الأيام المخصوصة التي يتوجب على المرأة أن تترك الصلاة فيها، فمن المستحب أن تجلس في مصلاها وتذكر الله تبارك وتعالى، لماذا؟ ربما لعدة أسباب منها بقاء العلاقة بينها وبين ربها، ولو بهذه الصورة المختصرة ومنها أنه يؤثر على أولادها لأنهم يرون الأم في حالة العبادة ولم تترك مصلاها بخلاف ما لو تركت الصلاة حتى وإن لم يكن واجب عليها فإنهم يرونها لا تصلي فيؤثر سلباً عليهم فتقل قيمة الصلاة في لاوعيهم، كل ذلك سيترك أثره السلبي في الطفل كما يتأثر الطفل بأمه الملتزمة والمتخلقة بالأخلاق الحسنة والصادقة والصبورة لذا لو لم أقل أن التربية أهم دور للمرأة فعلى الأقل هو من أهم أدوارها، إذا لاحظنا حياة النساء العظيمات نجد أنهن كيف ربين أولادهن فإنهن كن عالمات مؤمنات مجاهدات مثقفات فتمكنَ من تربية علماء وقادة ومجاهدين.
لاحظوا حياة السيدة زينب (صلوات الله وسلامه عليها) كانت تعقد مجلساً لتفسير القرآن الكريم للنساء، يذكر بعض المؤرخين أن نساء أهل الكوفة طلبوا من أزواجهم أن يطلبوا من أمير المؤمنين علي (صلوات الله وسلامه عليه) أن يطلب من السيدة زينب (عليها السلام) أن تفسر القرآن الكريم لهن فقدم الرجال الطلب إلى أمير المؤمنين وهو نقل طلبهم إليها وبذلك انعقد لها مجلس في الكوفة صباح كل يوم لتفسير القرآن الكريم.
كربلاء وتضحية السيدة زينب (صلوات الله عليها) لم يأتِ من فراغ وإنما من تربيتها في أجواء إيمانية بين أحضان أبيها وأمها ومرافقة أخويها وتفسير القرآن الكريم ليكون نتاج كل ذلك ما رأيت إلا جميلا أمام طاغية عصرها، فإذا أرادت المرأة أن تقوم بهذا الدور ينبغي عليها أولاً أن تربي وتكمل نفسها وأن تكون مثقفة في الدين وملتزمة بالضوابط الشرعية ومتخلقة بالأخلاق الحسنة.
النقطة الثالثة: الدفاع عن قيم الدين وحرماته
كما أن من أهم واجبات الرجال الدفاع عن الدين كذلك فإن من واجبات المرأة أيضاً الدفاع عن الدين، ولكن لكل زمان ومكان طريقة خاصة للدفاع مثلاً في حرب أحد قامت امرأة بالدفاع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحرج المواقف التي مرت خلال هذه الحرب كانت هذه المرأة وهي نسيبة بنت حرب أم عمارة تصول وتجول بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قال عنها رسول الله ما التفت يميناً ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني، اللطيف أن ابنها كان معها فأراد أن ينهزم ويتراجع فحملت عليه وقالت: يابُني إلى أين تفر عن الله ورسوله فأرجعته فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بارك الله عليك يا نسيبة وكانت تقي رسول الله بنفسها حتى أصابتها جراحات كثيرة. نظر في أثناء الحرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رجل من المهاجرين ينهزم فناداه ياصاحب الترس، ألقِ ترسك ومُر إلى النار، فرمى بترسه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يانسيبة خُذي التُرس فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لَمقامُ نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان. كما قلنا كل زمان ومكان يقتضي نوعاً خاصاً وطريقة معينة للدفاع.
في بداية الدعوة النبوية قامت السيدة خديجة (عليها السلام) بالدفاع عن الدين بأموالها وبمواقفها كما كانت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى جانب أمير المؤمنين فمن الأدوار التي قامت بها السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلقاؤها تلك الخطبة الفدكية في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك مختلف تحركاتها في سبيل الدفاع عن الدين، فالسيدة خديجة كانت مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والصديقة فاطمة كانت مع الإمام أمير المؤمنين وكذلك السيدة زينب كانت مع الإمام الحسين فأكملت طريقة نهضته. كان موقفها عظيمًا في الدفاع عن الدين حينما دخلت الكوفة وخطبت في أهلها وكذلك موقفها أمام ابن زياد.
ومن هنا فإن الواجب على المرأة هو أن تدافع عن الدين مهما سنحت لها الفرصة. وهل مثل هذه المواقف يأتي من فراغ أم يستلزم عملاً طويلاً خلال سنوات طويلة، لكي يكون الفرد مؤهلاً للقيام بمثل هذه المواقف عندما تسنح الفرصة. السيدة المعصومة ناصرت الإمام الرضا (عليه السلام) في تلك الأزمة الشديدة وكادت أن تحدث ثورة على المأمون بخروجها لزيارة أخيها.. وهكذا في طيات التاريخ نشاهد نماذج من النساء اللاتي أحدثن تغييراً كبيرًا في المجتمعات بقيامهن بمواقف معينة في مجال العلم والعمل. بالنسبة إليها كشخص، أو بالنسبة إلى زوجها أو أولادها. هنا أتطرق إلى ذكر بعض القصص في هذا المجال. القصص المعاصرة والذي يبين أن كل امرأة يمكنها أن تقوم بدور معين إما مباشراً أو غير مباشر. فمن الأدوار غير المباشرة كان هنالك أحد العلماء يقوم بتأليف كتاب مهم عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قلّ نظيره، فكان يذهب إلى مكتبته الخاصة ويجلس فيها لساعات طويلة وهو يكتب، في يوم من الأيام وجدته زوجته على خلاف عادته في غرفة أخرى غير الغرفة التي خصصها للتأليف، فاستفسرت منه لماذا تركت التأليف؟ هل أنهيت الكتاب؟ فقال: لا، لم أنهِ الكتاب. وإنما تركت التأليف، فاستغربت قائلة لماذا؟ قال العالم: فكرت مع نفسي، أنا لا أملك المال لطباعة الكتاب وقيمة الكتاب في نشره وطباعته، فلا يمكنني أن أطبعه لذا لا قيمة للتأليف فلماذا أصرف وقتي فيه. فأصرت عليه هذه الزوجة الفاهمة التي تعرف قيمة التأليف وقيمة الكتاب، وتعرف أن زوجها قد انصرف عن التأليف وهذه من وساوس الشيطان فأصرت عليه أن يؤلف لكنه قد قرر قراره فقالت له: انني سأقوم بطبع هذا الكتاب، قال من أين لك المال؟ قالت عندي بعض الذهب جمعته خلال هذه السنوات العديدة، سأعطيك هذا الذهب لتطبع هذا الكتاب، ثم ذهبت وجلبت معها ذلك الذهب الذي قد ادخرته لساعة العسرة في حياتها فأبى الزوج أن يقبل ذلك، وقال: إن هذا الذهب هو مالك الخاص لايمكنني أن أبيعه لطباعة الكتاب وقد ادخرتيه لسنوات عديدة فخرجت من الغرفة وعادت بعد ساعة بأموال كثيرة ثم قالت لزوجها، ها قد بعت الذهب وحولته لك الى أموال. قم وألّف الكتاب. هذا الموقف هو اقتداء بالسيدة خديجة عندما أعطت كل أموالها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهناك أيضًا امرأة معاصرة ألفت مجموعة من الكتب القيّمة مع إن لها أطفال صغار حتى أنها قالت كنت حينما أمسك القلم بيدي لأكتب أسطر أضطر خلال نصف ساعة أن أترك القلم أكثر من عشرين مرة لألبي حاجات أطفالي ولكن بمثابرتها وجهادها وصبرها وتحملها، أنتجت كتباً قيمة حتى أن بعض كتبها تُرجمت إلى بعض اللغات الأجنبية.
في مثل هذا الزمان، حيث نرى الفساد يطرق الأبواب بمختلف الطرق عبر الفضائيات ومواقع التواصل والمجلات والأفلام وغيرها، على المرأة أن تؤهل نفسها للقيام بمسؤولياتها، ومن تلك المسؤوليات، التأليف، تأليف الكتب في مختلف الحقول التي يحتاجها المجتمع.
تكتب لكل الفئات العمرية بما يناسبها فمثلاً حول الزواج البسيط، الآن الزواج أصبح معقد. ماذا نفعل؟ ماهي الحلول لرفع الموانع؟ كيف نثقف الآباء والأمهات، والشباب والشابات لبساطة الزواج، ليبتني على القيم الحقيقية للسعادة بين الزوجين، القيم التي بينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي أعرضنا عنها يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصف الرجل الصالح لاختياره زوجا للمرأة، "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه"، الملاك في السعادة الأخلاق والإيمان، ويقول في وصف المرأة الصالحة يختارها الرجل كزوجة "خير نساء أمتي أقلهن مهراً وأصبحهن وجهاً". لربما يكون ذلك كناية عن القناعة أن تكون قنوعة وأن تكون خلوقة مما يؤثر على صباحة وجهها، القناعة والأخلاق، قلة المهر وصباحة الوجه. هاتان قيمتان تضمنان السعادة الزوجية. حينما أعرضنا عن هذه القيم، الله تبارك وتعالى أعرض عنا، فنرى أن الزواج قد تأخر، والذي يتزوج كثيراً ما تؤدي به الحياة إلى الفشل، تكثر النزاعات، تكثر المشاكل وقد تؤدي إلى الطلاق، لماذا؟ ماهو السبب؟ لأننا أعرضنا عن أسباب السعادة في الزوجين، طالبنا بالمهر الغالي، بمستلزمات ليست بضرورية، لأننا جعلنا الملاك في الزواج غير الملاك الحقيقي الذي بينه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلنا ملاك الزواج الجمال أو المال وما أشبه ذلك من العراقيل الكاذبة. حل هذه المشكلة بحاجة إلى سيل من الثقافة والتربية ومن مفردات الثقافة والتربية مئات الكتب والكراريس كما أن من مفرداتها إقامة مئات الندوات والمؤتمرات والدراسات والبحوث ليكون سيلاً جارفاً يزيح ثقافة الغرب ليحل محلها ثقافة الإسلام عبر تكوين العائلة النزيهة والمستقرة والسعيدة.
وبكلمته هذه قد ثمن دور هذه المؤسسات العاملة وأكد على دورها لتمضي بمسؤولياتها وتؤديها كأفضل ما يكون.
اضافةتعليق
التعليقات