يقول أحد المنقبّين عن الذهب: "إنَّ الذهب في كل مكان، لكنَّ الناس هم الذين لم يتدربوا على العثور عليه".
لا تستهدف هذه الكلمات علماء الآثار فقط بل هي حكمة تنطبق على الكثير من مناحي حياتنا وعلى العديد من الأشخاص والظروف والأوضاع بكافة أنواعها.
قد تكون أيامنا منجم ذهب، هناك فرصة متاحة في الدخول إليه وجمع مايحلو لنا من معادن قيّمة ومواد ثمينة تحقق لنا ثروة، نحمل حقائبنا ويأخذنا الحماس في البحث والتنقيب ووضع _مانظنه_ نفيساً في جعبتنا، ينتهي الوقت ونخرج بعد أن أعيانا التعب ليتم فرز ما بين أيدينا فنرمي الحصى والأحجار لنتفاجئ أنَّ حقائبنا باتت خالية!.
تنطق حكمة أخرى هنا بصدق وتقول: "لا تفرح بحمل السلّة.. افرح بما تضعه فيها".
بالطبع، جميعنا يريد النجاح والسعادة والإنجاز والتميّز، لكننا نقع في فخ الكم على حساب الكيف، فمنذ طفولتنا زُرع في أذهاننا أنَّ الدرجات في الامتحان هي ما ترفع قيمتنا وتضمن لنا مستقبلاً ووظيفةً مرموقة براتب ثابت بعد كل شهر، ثمَّ بيت وسيارة وزواج وذرية تضم إناثا وذكوراً، ولكي لا نحصر الرحلة بالماديات فقط ، نضيف إليها أداء الواجبات الدينية من أصولٍ وفروع، وهكذا نخرج بشهادة يَختم عليها _العقل الجمعي_ بقبول واجتياز لتلك المحطات بنجاح.
في الحقيقة، العِبرة ليست في جمع تلك المفردات، بل في الجوهر الكامن في كل منها والدقة في اختيارها، ثمَّ النتائج التي تترتب عنها، وأخيراً تحديد من الذي يحدد تفوقنا من فشلنا؟! ما هي المعايير، وماهي الضوابط؟!
كلمات المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) عليُّ الدر والذهب المصفى تصلح لأن تكون مصباحاً يرافق رحلتنا في المنجم ولندرك عن طريق ضوءه أنْ ليس كل مايلمع ذهبا!
"الْإِعْجَابُ يَمْنَعُ الِازْدِيَادَ"
يقول لنا الإمام عن طريق هذه الحكمة البليغة أنَّ القناعة ليست دوماً كنز لا يفنى، فمابالك إذا كان مع هذه القناعة عجب وتكبر!، إنه لمغبونٌ وخاسر من وجد الذهب الحقيقي واكتفى بجمع القليل منه أو رضا واكتفى وتكبّر بقليل مايملك، إذن، لا ترضى بالقليل ولا تغتر به، بل اطمح بالنجاح والتقدم في كل مجالات حياتك، فهناك الأفضل والأكثر في الأمام.
"حبذا نوم الأكياس وإفطارهم"
يقول الامام: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء حبذا نوم الأكياس وإفطارهم".
الأمر هنا أشبه بحقيبة مثقوبة، نجمع النفائس من هنا لتسقط من هناك، نتكبد العناء في الصيام وقيام الليل وانفاق الصدقات، ونحسبها حسنات وأشجار في الجنة، لكن إن أديناها بقلب شاك ولسان بذيئ وغيبة ونميمة وظلم.... فالنتيجة زرع بلا حصاد!.
جميع العبادات مع رب العالمين لا قيمة لها إنْ لم يرافقها معرفة وخُلق، وكم من عمل صالح حسبناه صالحا وهو هباءً منثورا، يقول عز من قائل: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾.
وفي ذات السياق، قد نجمع القليل، _أو نظن ذلك بتعبير أدق_ لكن بإخلاص وتقوى، وتكون النتيجة مُرضية وأكثر من ذلك.
يقول الإمام صلوات الله عليه: "لا يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقْوى وَكَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّل".
"قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُه"
بالفعل، فعلينا أن نعلم مثلاً أنَّ المدرسة والجامعة أحد أبواب العلم وهناك الكثير من الوسائل غيرهما وقد تكون أهم منهما بمراحل، النجاح في العمل أو الوظيفة يكمن في اختيار مانحب ومانكون ماهرين في ممارسته وليس في الراتب الشهري والاسم الوظيفي والمنصب، والدليل على ذلك أنَّ الكثير من رؤساء الشركات العالمية المعروفة لم يكونوا من الأوائل في دراستهم سواء في الدرسة أو الجامعة وقد ترى بعضاً من أصحاب الدرجات العالية يعملون عندهم كمرؤوسين لا قادة.. وكذلك ما فائدة شهادة عليا يقابلها علم دني وأخلاق أدنى!.
أيضاً، الزواج بحد ذاته ليس انجازاً بل سنة من سنن الله عزووجل، والأهم من ذلك قرار الإنجاب يسبقه استعداد وتفرّغ للاهتمام والتربية، وجنس المولود ليس بيد الإنسان وبالتالي ليس سببًا للتفوق والتفاخر.
وأخيراً، لسنا في سباق مع أحد، وليس هناك قائمة مهام ذاتها مع الجميع، قد يكون منجم الذهب مشتركاً لكن لكل منّا طريقته الخاصة في البحث عن نفائسه بما يتناسب مع حقيبته، ولتكن المنافسة الحقيقية مع النفس وماتستطيع القيام به وليس بمقدار ماجمع الآخرين.
اضافةتعليق
التعليقات