إن الأمور وأهميتها وتأثيرها والحاجة إليها والانتفاع بها أمور نسبية. فما هو صغير وتافه في نظري قد يكون كبيراً ومؤثراً في نظر غيري تبعاً لظروفه وإمكانياته ونفسيته وثقافته، "القليل خير من الحرمان"، لذلك يأمرنا الإمام علي (عليه السلام) بأن لا نخجل ولا نلغي العطاء الصغير والقليل.
فإن هذا العطاء قد يسد رمق المحتاج مهما كان صغره فإنه سيعني شيئاً لمحتاجه لأنه يستند على قاعدة هي ليست قاعدتك فأنت حكمت على قلة العطاء قياساً بما تملك ولكنه يحكم على هذا العطاء على قاعدة الحرمان المطلق. بذلك سيكون هذا العطاء كبيراً ومؤثراً فلا تمتنع من إعطاء هذا الكثير لمحتاجيه حتى لو كان قليلاً في نظرك.
إن الإمام علي (عليه السلام) في هذا القول يعطينا صورة نفسية جميلة.
ففي كلماته هذه أشياء هائلة تحت السطور يحذرنا من الأنانية ومن التفكير في التبعات الإجتماعية و الاستعراضية للعطاء أمام الناس.
فكثير من الناس يعطي للمحتاجين رغبة منه في الاستعراض والمباهاة والنفاق وعندما يزيد في عطاؤه يزيد في استعراضه وإظهار نفسه ذلك الكريم المعطاء الوهاب.
هذا النوع من البشر لا يعطي القليل لأنه لا يحقق له هذا الاستعراض والمباهاة والسمعة وسيمتنع عن ذلك لأن هدفه ليس العطاء بحد ذاته لخدمة الآخرين وسد حاجاتهم فهذا شيء ثانوي.
فالشيء الأساسي بالنسبة إليه هو ما يحمله الناس عنه من كرم وعطاء وبذلك فإن هذا النوع من البشر يمتاز بالانانية وإظهار الأنا ودافعه الأنا والاستعراض وليس العطاء والرحمة.
هذا النوع من البشر سيحرم أناساً كثيرين من عطائه لأنه يعطي مرة واحدة ولكن بكمية كبيرة لكي يكون عند الناس قوياً مجلجلاً. أما لوكان عطاؤه للرحمة حقاً لوزع هذا الكثير على كثير من الناس فإن رحمته ستعم ولكنه سيخسر الاستعراض والمباهاة التي يبحث عنها.
إن كل البشر يحملون شيئاً متفاوتاً من الأنانية والاستعراض فمنا من هو أناني واستعراضي كبير ومنا من كان إيمانه وخلقه وعقله شذبت أنانيته واستعراضه فكانت هذه الأشياء ضعيفة في نفسه ولكنها تبقى موجودة في نوازعنا الإنسانية.
هنا يظهر عمق تفكير وتوجيه الإمام علي (عليه السلام) فإنه يحذر من بقايا الأنانية والاستعراض في العطاء والرحمة. فيريدنا أن نبتعد نهائياً عن الاستعراض والسمعة في العطاء وليكن هدفنا هو الرحمة بذاتها والعطاء بذاته.
اضافةتعليق
التعليقات