في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا عن ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له "، وعنه (صلى الله عليه وآله): "خير ما يخلف الرجل بعده ثلاث : ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم ينتفع به من بعده"(١) .
عند التأمل في هذين الحديثين نجد مراد واحد وهو أمور ثلاث هي الباقيات الصالحات التي تبقى للمؤمن كزاد بعد رحيله من عالم الدنيا، الملفت فيهما هو تغير تسلسل الأمور ولعل وجه السبب في ذلك هو مفردتي [انقطع- يخلف].
ففي الحديث الأول اتى الترتيب مع ما يتناسب مع مفردة [لاينقطع]، إذ أن الحديث كان عما يعمله الإنسان من عمل لا ينقطع أثره برحيله، فكان بالدرجة الأولى هي الصدقات فإن الانتفاع منها هو جاري -كما وصفه نفس النص- ثم العلم فهو أيضاً غير منقطع ولكن جريان النفع يعتمد على إقبال الناس عليه مطالعته والاستماع إليه، ومدى سعة نشره، أما دعاء الأبناء الصالحين فهو أقلهم احتمال في الجريان، نعم قد يدعو الابن لأبيه في مواطن الاجابة وفي الصلوات أو في زيارته لقبره، فهو موصول لكن بفترات متباعدة ومتقطعة لذا كان هو الآخر في الترتيب.
وهنا اشارة تربوية إن ما لا ينقطع عن الإنسان هو ما يقدمه لنفسه، وما يصنعه لآخرته لا ما ينتظره من صنيع الآخرين، مهما كان قربهم أو قرابتهم منه.
أما في تسلسل الحديث الثاني فكان الترتيب أتى بما يتوافق مع معنى [يخلف] فالأبناء هم من يخلفون الإنسان فإن كانوا صلحاء كان كل ما تركه الأب في الحفظ وسيستمر وإلا فالعكس ثم الصدقات وهكذا العلم النافع.
وهذا ما يُفهمنا إياه قوله تعالى على لسان نبيه {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} إذ أن الحفاظ على ما يتركه الإنسان من صدقات ومعارف وعلوم يتطلب وجود وريث صالح يُحسن تولي ما استخلف عليه، ويكمل المسيرة من بعده.
لذا الطلب من الله تعالى لخلف صالح اولاً، والسعي في تربيته ثانياً يمكن أن يوصل الإنسان إلى الحفاظ على ما يبقيه من صالحات بعده.
ولكن هناك وسيلة أخرى يمكن أن نعبر عنها بأنها وسيلة الوسائل للإبقاء على هذه الصالحات كما وردت في كتاب الخصائص الحسينية في فضل زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) "أن نهاية الاثار والأعمال اللاحقة للشخص والباقيات الصالحات التي لا ينقطع عمله منها : أن تبقى مدة مديدة بعد موته…، أي لا تبقى بحسب العادات أزيد من ألف سنة، فإن الزمان وحالاته متبدلان متغيران، ولكن في هذه الوسائل ما يوجب أن تكون الملائكة بعد موت هذا المؤمن نواباً في العمل عنك الى يوم القيامة، فكل ثوابهم يكتب لك، ولا يستبدل بأوضاع الزمان" (٢).
ولعل هذا المعنى منطلق من هذا الشاهد الروائي "أن الله تعالى يخلق من عرق زوار قبر الحسين (عليه السلام)، من كل عرقة سبعين ألف ملك يسبحون الله ويستغفرون له ولزوار الحسين(عليه السلام)، إلى أن تقوم الساعة" (3) .
اضافةتعليق
التعليقات