صرت ارى اكفانهم متدلية على متونهم وهم يمشون، يرعبني شكلهم وارفض ان اكلّمهم، اخترت العزلة على الخروج، لكن طيفهم مازال يلاحقني وكأنه لعنة من السماء قد صُبّت على رأسي، شكوت حالتي لمن هم اهل للشكوى فتعددت نصائحهم من قراءة المعوذات او عدم التفكير بهم ثانية لكن دون جدوى فانا اراهم ولكن كهيئة ميت يتمشى ويأكل ويشرب واحياناً يسافرون فاظنهم رحلوا تحت التراب لكنهم يعودون من جديد يبتسمون ويفرحون يحزنون ويتكاثرون وقد يأتي وليدهم ملفوفا بكفن!. صدقوني لا ابالغ فهم كثر في مجتمعنا وما ان قرأت قول الإمام علي عليه السلام حتى عرفت لغزي، انا لست مجنوناً ولا اعاني من امر نفسي ولم يصبني مس من الجن، انا ارى الجهلاء الذين وصفهم سيد البلغاء بالاموت بين الاحياء، وهم في موتهم درجات فمنهم ميت ويعلم بموته ومنهم ميت ويعتقد بأنه حي ومنهم ميت ولا يدري انه ميت ولايعترف بموته اصلاً.
لا اقصد طبعاً هنا الموت بعينه فهو قد يكون الموت بحد ذاته، انتقال من عالم الشقاء والتعب الى دار البقاء والراحة وقد يكون العكس، انما تشبيه الإمام علي للجهال بالموتى راقني كثيراً فخلتهم وهم يجرون اكفانهم، اکفان الجهل التي تجعلهم عبید لهذه الدنیا وتبعدهم عن فناء العلم والعلماء، واذا اردنا ان نعرف الجهل نجد انه عكس العلم وجهل الأمر يعني خفي عنه، والفاعل منه جاهل والمفعول مجهول.
انواع الجهل :
جهل بسيط.. هو فهم مسألة ما دون إحاطة كاملة.
جهل كامل.. وهو خلاف العلم بالمسألة أي إن صاحبها لايعلم من المسألة شيئا.
جهل مركب.. وهو أسوء أنواع الجهل، وهو فهم الأمر خلاف ماهو عليه.
استخدام عبارة الجهل:
عامة الناس يستخدمونها فيمن لاعلم له بمسألة يجادل فيها، فيقال هذا جاهل بالأمر، وعند العامة يسمى الأطفال جهالا، لعدم وعيهم وقلة علمهم وأجهل العرب هو عمرو بن هشام أبو جهل.
ولكن استخدم القرآن الكريم لفظ الجهل بمعنى الاعتقاد الفاسد علميا ومنطقيا وفطريا، أما ما هو عكس العلم في القرآن الكريم فهو اللاعلم أي فراغ النفس من العلم بشيء ما أو نقص العلم حوله.
الجهل في الاستخدام القرآني عكس الحلم والحكمة والعقل. وهو يعني تحكيم القوة: (أحلامنا تزن الجبال رزانة. وتخالنا جنا إذا ما نجهل. ألا لا يجهلن أحد علينا. فنجهل فوق جهل الجاهلين). ﴿أفحكم الجاهلية يبغون﴾، ومن هنا سميت الفترة ما قبل الإسلام بالجاهلية، لأنها كانت فترة تحكيم القوة والعصبية القبلية أي حكم القوي على الضعيف. ولكن بمرور الوقت أصبحت بمعنى عدم المعرفة، باعتبار أن العرب قبل الإسلام كانوا لا يملكون كتابا يعلمهم الحكمة.
فمثلا عدم العلم بماهية الثقوب السوداء هو لاعلم بها، أما الادعاء بأنها قطع معدنية تحوم بالفضاء فهذا جهل. كذلك عند السؤال عن كم يساوي جمع العددين 6، 7 وعدم الإجابة هو لاعلم، وإذا أجيب مثلا بـ 18 فهذا جهل.
والقرآن الكريم ذمّ الجهلاء وتوعدهم بالجحيم أما الذين لا يعلمون فحضهم على العلم فقط، ولم يذمهم ولكن لم يسوي بينهم وبين العالِمين، فجعل العالِمين أكبر درجات من الذين لا يعلمون.
ماقيل في الجهل:
1-ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا تجاهلت حتى قيل إني جاهل... فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل. (ابو العلاء المعري).
2-والشرق العربي الآن بكل ما فيه من جهلٍ وكسل هو كافرٌ بأولياتِ كتابه ودينه.. فلا هو يقرأ ولا هو يتعلم ولا هو يعمل.. وبدل العلم والعمل.. لا نرى حولنا إلا الجهل والكسل.. وكل واحد يتصور أنه من أهل الجنَّة لمجرد أن اسمه في بطاقة تحقيق الشخصية محمد.. وأنه مسلمٌ بالوراثة وأنه يقتني مصحفاً.. وينسى أن أول كلمة في القرآن هي "إقرأ".. وأنه لا يقرأ.. وأن الله يقول (اعملوا فسيرى الله عملكم) وأنه لا يعمل وإنما يتمدد على المقاهي ويتثاءب! بل إن العالم الغربي الأوروبي، بما فيه من علم وعمل ودأب ونشاط دائب خلاق هو أقرب لجوهر الإسلام وهذا القرآن، من هذا الشرق الكسول المتخاذل الغارق لأذنيه في الجهل المزري.. علينا أن نفهم القرآن قبل أن ندعي أننا من أهل القرآن. (مصطفى محمود).
3-يا الله، إما أن تمنحني نعمة الجهل، أو أن تمنحني القوة لأتحمل المعرفة، أرجوك لا تجعلني ضعيفة وعارفة في الوقت نفسه. (إليف شفق).
4-إن العصر الراهن هو عصر فقدان التسامي وفقدان الحساسية، هو عصر الجهل، عصر الحاجة الى كل ما هو جاهز مهيأ. ما من أحد يفكر قط اليوم، قليلون أولئك الذين يقدرون أن يصنعوا لأنفسهم فكرة. (فيودور دوستويفسكي).
5-العلم الذي لا يأخذك أبعد من ذاتك هو علم أسوأ من الجهل. (الشمس التبريزي).
فنرى ان الجهل متفشيا في هذا العالم منذ الازل، فلولا الجهل بالمصير لما قتل قابيل هابيل ولولا جهل ابن مجلم بمكانة علي عليه السلام لما اقدم على ضربه بالسيف، فالجهل مصيبة عظيمة تودي بصاحبها للهلاك في الدنيا قبل الاخرة وكما اختصر سيد البلغاء اقوال العالمين بقوله: "الجاهل ميت بين الاحياء".
اضافةتعليق
التعليقات