هناك نوع جديد من القراء الذين برزوا في وسائل التواصل الاجتماعي، يقدمون مراجعات للكتب، اقتراحات للقراءة، ويشاركون أفكارهم عن الحياة، وهي ظاهرة جيدة تحث الشباب على المطالعة واستكشاف عالم الكتب بعين الاهتمام والإعجاب، فلا ضير أن يبدأ المرء رحلة القراءة تأثراً بمؤثر فلاني، أو راغباً في الحصول على مرتبة اجتماعية مرموقة مثل ذلك المؤثر، لأن من يقرأ مرة واثنين لأي سبب كان، سيستمر في القراءة، وسيكتشف بواطن سحرها وتأثيرها تدريجياً مع الاستمرار.
ومع ازدياد حدة المنافسة بين هؤلاء المؤثرين وسط جمهور محدود نسبياً نجد أن هناك أفكار لا تصب بصالح القراءة تسللت إلى محتواهم، فنجد تحدي مثل تحدي مئة كتاب في السنة، وهو الرقم الذي وإن تحقق للبعض فإن قارئه لن يستطع هضم مضمون ما يقرأ، ولن يحيط بمعانيه، ويستفيد من معلوماته.
وكذلك تنصيب بعض القراء أنفسهم كميزان لجودة الكتب وأهميتها، فعلى الرغم من أن للجميع حق نقد أي كتاب يقرأونه وفقاً لميولهم وتفضيلاتهم الخاصة أو تبعاً لمعايير معينة، إلا أن لكل شخص رحلته في الحياة، فكتب تطوير الذات إن بدت لك سخيفة بعد سنوات من القراءة والتجارب الحياتية الدسمة، هي لب ما يحتاج إليه فتى أو فتاة في مقتبل أعمارهم، يتعلمون منها ما لم يستطيعوا الحصول عليه من نظام الحياة الحالي المشوش، وتلك الرواية التي تجدها ذات لغة وحبكة لا ترقى إلى مصاف الأدب الجيد هي عين الطلب لمن بدأ القراءة للتو باحثاً عن حبكة مسلية تجذبه إلى عالم الكتب الذي لا يفقه منه شيئاً، أو تواسيه ببساطتها فتجلي عن قلبه أحزاناً وهواجس مُقيدة.
إن الإغراق في النقد أو وضع اشتراطات عالية للقراءة لا يساعد على زيادة رصانة ما يقرأه القراء، بل تصنع شخصاً متوتراً قلقاً قابعاً تحت ضغط انتقاء كم ونوع كتب لا يتلائم وذائقته واحتياجه النفسي الآني وموقعه الحالي من رحلة الحياة، فتصبح القراءة عليه عملاً شاقاً، ويبتعد عنها تدريجياً حتى يتركها لأنه يعتقد إنها ليست له، لا يفهمها ولا ينجذب إليها، ترهق عقله، ولا تناسب نهاية يوم فوضوي.
القراءة فعل حب نقدمه لأنفسنا، نختار منها ما نحب، نصيب أحياناً ولا نوفق أحياناً كما في كل شيء في الحياة، كل ما نقرأه يصب في صالحنا فنتعلم منه ونأنس به إن كان جيداً وملائماً، ونضمه درساً مهماً إلى تجربتنا القرائية إن كان غير جيد، وهذه الرحلة هي رحلة تكامل، لا تنفصل أجزاؤها عن بعضها، ولا تنفصل عن رحلة الحياة نفسها.
قد نحتاج أحياناً إلى أصدقاء يرشدونا إلى عناوين جديدة وعوالم مختلفة، لكن بوصلتنا الداخلية ستخبرنا بما نحتاج، قد نقطع أشواطاً أطول وأكثر حتى نصل إلى كتب النخبة، قد نقرأ خمس كتب كل عام في البداية، لا بأس، كل ذلك جزء من الرحلة، الرحلة المستمرة دون وجهة ولا خط نهاية، حيث تصبح القراءة عادة ونمط، نلجأ لها دون تفكير، ونزجي أيامنا بها، فلا جائزة ولا تكريم ينتظر القراء الأكثر قراءة أو ذوي الذائقة الخاصة، نحن لا نقرأ للآخرين بل لأنفسنا لذا استفت قلبك وأقرأ، القراءة ليست عالماً مخيفاً أو بعيداً أو عالياً أو عصياً على الفهم، فهناك كتاب لكل فرد منا، وهناك كتاب لكل حالة شعورية ونفسية نمر بها، بين الكتب نتعثر بالإجابات، ونقطف الأسئلة، والأهم إننا نتسلى، فلو لم يكن الكتاب مسلياً وخفيفاً، غيّر الكتاب وليس عادة القراءة.
اضافةتعليق
التعليقات