كثيراً ما أوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعترته الطاهرة بالشباب وأهمية اغتنام عمر الشباب، وبالدور الكبير الذي يؤدونه والتأثير الذي يتركونه في المجتمع، فالشباب مستقبل اﻷمة المزهر وأملها.
الشباب أهم مرحلة في حياة الانسان، عليه أن يغتنمها بأفضل ما يمكن، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه...."
وعن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "الأحداث أسرع شيء إلى الخير".
ﻷنه في مرحلة الطفولة يكون في طور تكوين وبناء شخصيته، لذا يكون على الآباء مهمة ومسؤولية عظيمة في بناء شباب واعي ينهض بالأمة ويكون له تأثير متميز وواضح بالواقع، وفي مرحلة ما بعد الشباب غالباً ما يقل نشاط الانسان واندفاعه وحيويته، لذا تعد هذه المرحلة أهم مراحل العمر، لذا لابد من التنبه لأهميتها واستغلالها بأقصى ما يمكن من التفوق والنجاح.
ويساعد على ذلك المربون والكبار من خلال إعطاء الشباب الثقة وإسناد الأدوار المهمة لهم واحترام رأيهم، وإشراكهم في الحوار والرأي، وقد أسند الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم جُل المسؤوليات للشباب وبيّن دورهم المهم، فها هو أسامة بن زيد شاب في ريعان شبابه، يقلده رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أثقل مسؤولية، ألا وهي قيادة جيش المسلمين الذي عبأه الرسول صلى الله عليه وآله لمواجهة إحدى أهم قوتين دوليتين آنذاك، ونعني بذلك مواجهة جيوش الروم الذين تجاوزوا حدودهم ضد دولة الإسلام الفتية، وكان في جيش المسلمين علْيَة القوم وشيوخ الصحابة.
ولا بدَّ للشباب كي يحققوا النجاح والتفوق ويصلوا للقمة أن يتحلوا بالصبر والعزيمة والإرادة القوية.
غالبٌ في مجتمعنا ما يُذَم الشباب ويُقلَّل من شأنهم ويُشار لسلبياتهم فقط، بينما بالمقابل يوجد عندنا شباب ناضج واع ولهم دور مهم وأثر واضح في نشاط المجتمع لم يسلَّط الضوء كثيراً على تفوقهم وهم أسوة لكل شاب.
في موضوعنا هذا سوف نحاول أن نسلط الضوء هنا على انجازات وتفوق وتميز بعض من هؤلاء الشباب، فتية وفتيات على الرغم من صغر سنهم إلا إنهم تميزوا بانجازاتهم وتحديهم لظروفهم:
شابة في العشرينات من عمرها متزوجة ولها أربعة أولاد وقد تفوقت على الرغم من مسؤولياتها داخل البيت، فهي تلقي المحاضرات وتَدْرس وتُدرِّس، واشتركت في العديد من الدورات...
تقول لنا: النجاح لا يحصل بالتمني والكلام بل بالدخول الى الساحة والمقاتلة لأجله ولنجاحي في حياتي أسباب:
اولاً: عناية ربي وما توفيقي إلا بالله.
ثانياً: دعاء الوالدين فقد حاولت دائماً أن أكون بارة بهما.
ثالثاً: كلام أهلي وتشجيعهم.
رابعاً: احترام زوجي للدراسة جعلني أحقق حلمي.
خامساً: حددتُ هدفي في الحياة وعزمت على الوصول، فمنذ ان كنت في الخامسة من عمري تفوقت في الدراسة وتم ترشيحي في مدرسة المتفوقين والعباقرة والأهل دائماً كانوا يشجعوني ويقولون أنت عظيمة وفعلاً كنت متفوقة ولله الحمد، في سن الخامسة عشر تزوجت ودخلت الحوزة بعد إنجاب أول طفل لي ولكن كنت احلم باكمال دراستي الأكاديمية ولم تسنح لي الفرصة..
واذكر عندما كنت في المرحلة الثالثة من الحوزة عرفت بحملي الثاني؛ كانت النساء في ذلك الوقت تترك الحوزة كي ترتاح في البيت ولكني لم أترك الدراسة لأنني كنت على يقين بأن هذه الدروس المباركة تؤثر على جنيني وبالفعل رأيت ذلك، ولامست بركات هذه الدروس على أخلاقه وحياتي، فيما بعد ذلك قررت أن أحقق حلمي الا وهو اكمال دراستي الأكاديمية، في سن المراهقة كان الجميع يخاطبني بدكتورة ولكن بعد أربع أطفال بات الأمر صعباً قليلاً وتغيرت أحلامي، قررت بدل أن أصبح دكتورة أجسام أصبح دكتورة نفسية لأن النفوس في زمننا بحاجة إلى من يداويها.
ولا زلت أَجِد صعوبة لأن الاهتمام بالزوج والبيت والأطفال أمر صعب جداً ولكن كلما أودّ التراجع أتذكر بأنني عظيمة ومختلفة عن الأخريات.
أُكمل واجبات البيت وبعد أن ينام الجميع أدرس وأكتب وأقوم بما أقوم، والله ولي التوفيق، فالنجاح لايحصل بالكلام بل يأتي بالتخلي عن كثير من الأشياء كي تحصل على أشياء أخرى وأنا أيضا باستطاعتي أن أقضي وقتي في الحفلات وأجلس مرتاحة ولكن أختار أن أكون فخر لنفسي إن شاء الله ولأهلي وأولادي.
أيضاً السيد زكي الموسوي شاب في بداية العشرينات من عمره، تميز بفكره النير ورغم انشغاله بدراسته الأكاديمية وعمله وكثرة المحبطين من حوله، إلا انه كتب مجموعة من الكتب وشارك في الندوات وكان له حضورا ومشاركة مميزة ومن مؤلفاته (الكشكول، ومنا المهدي، ودراسة في دعاء مكارم اﻷخلاق، وبحث حول الإلحاد).
الكاتبة زهراء وحيدي في العشرين من عمرها، تميزت بكتاباتها الجميلة والفكر النير، وعلى الرغم من دوامها في الجامعة وانشغالها بالدراسة، إلا انها تحضر دورات التنمية المفيدة وتشارك بالندوات والاجتماعات الثقافية وتطالع الكتب المنوعة التي تزيد من معرفتها وتنمي ثقافاتها.
تحكي لنا عن ما مرت به وكيف تفوقت:
والدي كان مطارد من قبل نظام الطاغية صدام، فهرب مع أعمامي خارج العراق، قضيت اغلب أوقاتي في مفترق الجادة، طفولتي كانت مفعمة بالنشاط والسفر، كنت دائماً اشعر بأنني الأقوى وإني قادرة على فعل أي شيء، كنت أتحدى نفسي، ومنهم أكبر مني عمراً وتجربة، نصف تحدياتي كانت فاشلة، ولكن إرادتي لم يهزمها شيء، وعيت على هذه الحياة وجدت نفسي اتكلم لغة لاتشبه لغة البلاد التي أعيش فيها، وجدت في داخلي طاقة كامنة تفجرت بقراءة القصص، فبدأت حينها بتأليف الشعر، ثم توقفت عجلة طفولتي في العراق، وبدأت مراهقتي هنا...
مرحلة الانتقال كانت صعبة للغاية، وأثر ذلك على بناء شخصيتي جداً، فالظروف التي عشتها في العراق كانت غنية بالتجارب والألم، عانيت الكثير، كنت اقضي الليل كله وانا ابكي على وسادتي من اجل أي شيء وكل شيء، فالتراكمات التي عشتها كانت جديرة بان تَخلق من طفلة، انسانة تكبر عمرها بكذا عام!، لم اعتبر نضجي في صالحي أبداً.. فليس من السهل ان تعيش عمراً لا يشبه عمر اقرانك.. او تعيش ظروف وحياة لا تليق بك!.
مرت الأيام... وقذفتني الفرصة على ساحل التنمية، التقيت بأناس يشبهون الجنة، استمديت منهم الطاقة الإيجابية وروح الحياة، حينها عرفت بأن حاشا لله أن ينسى أحداً، طورت نفسي في هذا المجال وأحببته... ثم شاركت بنشاطات إنسانية مختلفة، لأصبح على أثرها ناشطة مدنية كل همها هو زرع البسمة على وجوه الناس.
بعدها عشت فترة تحولية صعبة من المراهقة الى الشباب.. نزفت الكثير من الألم بسبب ظرف صعب مررت به، هز كياني وكسرني، ولكني التئمت، وعدت إلى الحياة أقوى من السابق.. ثم اكملت المسيرة الكتابية التي بدأتها بقصص وأبيات شعرية، عائلتي لم تبدِّ اهتماماً واسعاً بموهبتي، ولكنها في نفس الوقت لم تحرمني مما أحببت، ومنحتني أغلى شيء ألا وهو الثقة، ثم تعلمت على أيدي أساتذة ودكاترة، كل منهم أضاف لي شيئاً، كل منهم صنع من زهراء هيكلاً قوياً، يتحدى الأعاصير والظروف..
وتفتحت لي آفاق العمل بعدها، فأصبحت محررة في موقع بشرى حياة.
وها أنا أعمل وأدرس وأمارس هواياتي وأنا لم اتجاوز الحادية والعشرين من عمري بعد..
ما تعلمته هو إن كل إنسان خُلق لغاية ولرسالة مُعينة، عليه أن يؤديها بأكمل وجه.. والحياة لا تنتظر الكُسالى، من يريد أن يكون سيكون، ومن يُريد أن ينتظر، سيفوته قطار العمر بلا شك!.
نموذج آخر من الشباب الناجح هما الشابان أمير ومنتظر شقيقان، الشابان ينحدران من أصول فلاحية، واليوم يعيشان في المدينة، لم يتأثرا سلبا عندما انتقلا من الريف الى المدينة، يمتلكان مثابرة وصبر وجدية، وأخلاق متميزة، وضعا في ذهنهما هدفا كبيرا، وخططا له، وساعدهما في ذلك الأب والأم والأخ الأكبر، فالشاب الأول كما يقول وضع في باله أن يكون طبيبا، وأن يتفوق في الرياضة، وكلنا نعرف أن الجمع بين التفوق الدراسي والرياضي صعب إن لم يكن مستحيلا، لكن أمير تفوق فعلا في دراسته ودخل كلية الطب، وهو لاعب مهم في فريقه الشعبي لكرة القدم ولديه تطلعات أدبية جيدة، أخوه منتظر دخل الطب ايضا وهو رسام ولديه طموحات كبيرة، الشيء المهم الذي يتميز به هذين الشابين الإصرار الكبير على تحقيق الهدف، فمثلا منتظر يقول انه لم يخرج من البيت طيلة مدة الدراسة، وكان يقف في باب البيت مدة قصيرة ويدخل، وبهذا الاصرار حقق تفوقا علميا باهرا، الشيء نفسه حدث مع أخيه أمير الذي حقق أفضل النتائج، يُضاف الى هذا كله، أنهما محبوبان من أهالي المنطقة جميعا رجالا ونساءا وأطفالا، لأنهما متعاونان محبان للجميع. الآن هما نموذج رائع للشباب الناجح المتميز، وعلى الرغم من أن الطريق لا يزال طويلا وشاقا أمامهما، لكنهما بفضل الصبر والاصرار والكفاءة والتخطيط الجيد، استطاعا أن يحققا نجاحا باهرا في كل ما يصبون إليه.
نموذج آخر، الشابان كمال وحسين، فكمال الذي فضل الاعلام والكتابة والابداع على الكيمياء، تعرّض لانتكاسة في حياته وهو في مقتبل العمر، لقد درس سنتين في قسم الكيمياء، ليكتشف أنه لا يحب أن يواصل الدراسة الجامعية في هذه المادة، وترك الدراسة، لكنه سرعان ما بحث عن بديل ووجده في الاعلام، وبفضل الصبر والحكمة والمثابرة، استطاع أن يتقدم سريعا في هذا المجال، فبالاضافة الى عمله في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام باشر دراسته الاعلامية في جامعة اهل البيت واستمر فيها أربع سنوات حقق فيها المرتبة الأولى على دورته، وسرعان ما تفوق في الدراسات العليا وحصل على مقعد ماجستير في جامعة بغداد كلية الاعلام حيث فاز بالمقعد الدراسي الأول على العراق بحسب ما نشره موقع جامعة بغداد وهو الآن على اعتاب مناقشة رسالته هذه الأسابيع.
يعود الأمر للمثابرة والصبر والتخطيط كما ذكرت، أما حسين فهو طالب أيضا يميل الى كتابة الشعر، وكما يقول أنه تمكن من تحقيق تفوق رائع في هذا المجال، بالاضافة الى الرياضة، والدراسة، وهو يعتقد أن الصبر والاصرار والتخطيط ثلاثي مهم لأي شاب يرغب بالتفوق والنجاح في حياته.
وأخيراً يوجّه سماحة الشيخ ناصر الأسدي في كتابه (الشباب ثروة الحاضر.. ثورة المستقبل) رسالة مفتوحة للشباب مما جاء فيها:
اجعلوا من أنفسكم أداة عمل ومعرفة وثقافة وفضيلة وبناء و إصلاح وتقدم ورقي وبناء وعزة. فإن كنتم طلاباً فارفعوا مستوى ثقافتكم ولا ترضوا بالتأخر في مجال العلم والمعرفة، ولا بالتأخر في مجال الإنتاج والإختراع والاكتشاف. وإن لم تكونوا طلاباً فعليكم بالجد والإهتمام بالعمل الموكول إليكم، تعلموا وعلِّموا، إعملوا واخترعوا، عمروا وازرعوا، إنهضوا اقتصادياً وتاجروا، تقدموا وارفعوا مستوى بلادكم، إنشروا دينكم، قدِّموا أمتكم، تنافسوا في الخير.
اضافةتعليق
التعليقات
ايران2017-02-22
تناولت موضوعا غاية في الأهمية و ذكرت مصاديق محفزة جدا و قصصا عن المتفوقين الناجحين كالزميلة زهراء وحيدي و باقي الاخوة الزملاء من الأدباء و المثقفين .
المقال شيق و يستحق المطالعة