يعتقد الدكتور كاجان أن الاختلاف بين حذر «توم» وجرأة «رالف» هو نتيجة لمدى قابلية الدائرة العصبية التي يوجد مركزها في«الأميجدالا» للاستثارة. ويشير كاجان» إلى أن الميالين للخوف مثل «توم» يولدون بكيمياء عصبية، تجعل من السهل إثارة هذه الدوائر العصبية، ومن ثم يتجنبون ما هو غير مألوف، ويبتعدون خجلا عما هو غير مؤكد، ويعانون من القلق أما من هم مثل «رالف» فلهم جهازعصبي عتبة استثارة الأميجد الا فيه مرتفعة وليس من السهل إثارة الخوف لديهم، ويتصرفون تصرفات طبيعية بقدر أكبر، كما أن لديهم رغبة في اكتشاف أماكن جديدة والتعرف على أشخاص جدد.
ومن العلامات المبكرة التي تحدد النمط الذي ورثه الطفل، مدى الصعوبة التي تواجهه ومدى قابليته لسرعة الاستثارة ومدى انزعاجه عند مواجهة أي شخص أو أي شيء غير مألوف بالنسبة له . وبينما يندرج طفل واحد من كل خمسة أطفال تحت قائمة الخجل، كان هناك اثنان في الأقل يندرجان تحت قائمة أصحاب الطبع الجريء منذ ولادتهم.
يأتي كاجان ببعض أدلته من ملاحظات على القطط المنطوية على نفسها على نحو يفوق المعتاد . وجد أن قطة واحدة من كل سبع قطط تتميز بقدر من الانطواء مماثل لخجل الأطفال. تنسحب هذه القطط بعيدا عن أي شيء، وتعزف عن اكتشاف أرض جديدة، وتهاجم أصغر الفئران فقط وتهاب اصطياد الفئران الأكبر التي تطاردها زميلاتها القطط الشجاعة.
يولد الطفل ولا يكتمل مخ الإنسان مع مولده ويظل يتشكل مع تقدم العمر، ولكنه يتشكل بأكبر قدر في فترة الطفولة ويولد الأطفال بعدد من الخلايا العصبية، أكثر مما يستبقيه المخ الناضج ويفقد المخ فعليا الوصلات العصبية الأقل استخداما في عملية تعرف بعملية «التشذيب» مشكلا وصلات أقوى في تلك الدوائر العصبية المتشابكة.
الأكثر استخداما وعملية «التشذيب» التي يتخلص المخ فيها من نقط عصبية متشابكة ثانوية، تُحسن الإشارات المشوشة إلى المخ بإزالة سبب التشويش. هذه العملية دائمة وسريعة، تتشكل فيها الاتصالات العصبية المتشابكة في ساعات أو أيام كما تحفر أيضا في المخ خبرات الطفولة على وجه الخصوص.
إن الإنجاز الذي حققه كل من ثورستن فايزيلو«ديفيد هوبيل» عالمي علم الأعصاب الحائزين جائزة نوبل كان إنجازا عظيما، بعد أن أثبتا، أن هناك فترة حرجة في حياة القطط والقرود هي الشهور الأولى القليلة في حياتها، تتنامى فيها النقط العصبية المتشابكة التي تحمل الإشارات من العين إلى القشرة البصرية، حيث تترجم هذه الإشارات. فإذا أغلقت إحدى العينين خلال هذه الفترة، تتناقص عدد نقط الاتصال المتشابكة بين العين والقشرة البصرية، حيث تترجم هذه الإشارات بينما تتضاعف في العين المفتوحة وإذا افتحت العين المغلقة مرة أخرى بعد انتهاء الفترة الحرجة، فإن عين الحيوان هذه تصبح عينا (عمياء) وظيفيا وعلى الرغم من أن العين نفسها لا عيب فيها .
لكن عدد الدوائر العصبية التي تصل إلى القشرة البصرية أصبحت أقل من أن تترجم الإشارات القادمة من العين. أما بالنسبة للبشر، فتستمر فترة الإبصار الحرجة المناظرة طوال السنوات الست الأولى من العمر، تقوم الرؤية الطبيعية خلال هذه الفترة باستثارة تكوين الدوائر العصبية المتزايدة التعقيد، بدءا من العين وانتهاء بالقشرة البصرية. فإذا أغلقت عين طفل بعصابة بضعة أسابيع، نتج عجز واضح في قدرة هذه العين على الإبصار .
أما إذا أغلقت لشهور عدة، ثم رفعت عنها العصابة، ضعفت قدرة هذه العين على رؤية التفاصيل الصغيرة جاء الدليل الحي على أثر الخبرة في المخ المتنامي في الدراسة التي أجريت على الفئران الغنية و «الفقيرة» عاشت الفئران الغنية في مجموعات صغيرة داخل أقفاص بها وسائل اللهو مثل: سلالم، وأجهزة تتحرك دائريا أما «الفقيرة» فقد عاشت في أقفاص مماثلة، ولكنها قاحلة تنقصها وسائل اللعب والتسلية.
وعلى مدى شهور، طورت القشور العصبية في مخ الفئران الغنية، شبكات أكثر تعقيدا من الدوائر العصبية، لتصبح أمخاخ الفئران الغنية أثقل وزنا ، بل كانت أكثر ذكاء في حل المتاهة، أظهرت تجارب مماثلة مع القرود الفروق نفسها أيضا بين خبرة القرود «الغنية» و«الفقيرة». والمؤكد أننا سنلحظ هذا التأثير في البشر أيضا .
العلاج النفسي - وهو إعادة التعلم العاطفي المنظم - يمثل حالة تغير فيها الخبرة، الأنماط العاطفية وتشكل المخ. وتأتي أكثر الشواهد إثارة في دراسة من يعالجون من الوسواس القهري) .
ومن أكثر هذه الاضطرابات غسل اليدين مرات عدة قد تصل إلى المئات في اليوم الواحد، حتى يتشقق الجلد . وقد تبين من الدراسات القائمة على الفحص بالأشعة المقطعية باستخدام البوزيترون، أن الوساوس القهرية تكون أكثر نشاطا من المعتاد في فصوص المخ الأمامية . وقد تلقى نصف المرضى في هذه الدراسة العلاج بالعقارالنمطي «فلوكستاين»، بينما عولج النصف الآخر علاجا سلوكيا «Behavior Therapy». وفي أثناء العلاج عرضوا بشكل متعمد ومنتظم الموضوع الوسواس، حيث وضع من لديه تسلط غسل اليدين عند الحوض ولم يسمح له بغسل يديه وفي الوقت نفسه دربوا على أن يتشككوا في المخاوف والفزع الذي يثيرهم مثل تصور أن عدم غسل اليدين عند الحوض سيؤدي إلى المرض والموت.
لقد أدى هذا العلاج السلوكي خلال شهور من هذه الجلسات إلى خفوت الدافع القهري تدريجيا ، كما حدث تماما مع مرضى العلاج الدوائي. على أن النتيجة المدهشة حقا، أن الفحص بالأشعة المقطعية باستخدام البوزيترون قد بين أن مرضى العلاج السلوكي حدث لهم نقص جوهري في نشاط جزء رئيسي من المخ العاطفي النواة المذيلة، تماما مثل المرضى الذين عولجوا بنجاح بدواء الـ «فلوكستاين» لقدغيرت خبرتهم وظيفة المخ، وخففت الأعراض بفعالية العلاج الدوائي نفسها.
اضافةتعليق
التعليقات