كان ولا يزال الحوار يمثل الوسيلة الأولى للتواصل بين الناس منذ خلقة ادم الى يومنا هذا، والبوابة الفكرية التي من خلالها يجتمع أصناف الناس باختلافاتهم الدينية والعرقية، ولأهميته البالغة استطاع ان يكون جزءاً اساسيا من الحركة الدينية والسياسيّة وحتى الاجتماعيّة في كل العصور، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.".
وقد خصّ الله الإنسان من بين خلقه بهذه الميزة الفريدة، وهي ميزة التعارف والحوار مبتعدين عن الاختلافات الدينية والمعتقدات، فالله تعالى أشار الى ذلك في قوله: "ولا اكراه في الدين"، فالحوار ثابت على قاعدة أنّ الغاية النهائيّة لمثل هذا النّوع من تبادل المخزونات الإنسانيّة، هي تحقيق الهدف الأمثل للإنسان على الأرض، ألا وهو خلافة الله تعالى وتحقيق حياة كريمة للإنسان بغض النظر عن الدين والجنس والعرق.
ولعل زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس الى المرجعية العظمى السيد علي السيسيتاني في النجف الأشرف إستطاعت أن تبين ضرورة الحوار والتواصل الفكري والانفتاح بين الأديان من أجل الوصول إلى الهدفية الكبرى لعودة الوئام والسلام في العالم.
فالأحداث الأخيرة والانتهاكات والفواجع التي لا زالت تحصل في الكثير من البلدان لم تتأطر باضطهاد فئة او صنف معين من الناس بل مست مفهوم الإنسانية بحد ذاتها، فالخير عندما يعم يعم على الجميع والشر عندما يعم كذلك يعم على الجميع.
وهذا النهج المستقيم الذي سار عليه الرسول الكريم واتبعه الأولياء الصالحون من أجل توحيد مبدأ الانسانية في العالم ونبذ التفرقة بين الناس.
ولم تكن مدرسة الرسول وآل البيت صلوات الله وسلامه عليهم تسعى لأن تفرض عقيدة معينة على الناس، بل سعيهم الدائم كان في ايجاد حالة من الانسجام العفوي مع تعاليم الاسلام والتي يمارسها المسلم من غير تكلف، ونبذ الكراهية والعنف والتعامل وفق مبدأ الانسانية التي تجمعه مع كافة البشر، ونلاحظ مثل هذه الحالة في قصة الامام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه مع رجل ذمي صاحبه في الطريق وأبى الامام صلوات الله وسلامه عليه إلا أن يشيعه عند الفراق والتي اسفرت عن إسلام الرجل الذمي في نهاية المطاف.
فالرابط الذي كان بين هذا الرجل والمولى عليه السلام هي الانسانية البحتة، وأن الأخلاق الإسلامية التي عكسها بتصرفه وحواره وحسن معاشرته مع الرجل يؤكده بقوله الشريف: "الناس صنفان، إما اخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق".
اضافةتعليق
التعليقات