ودّع مسيلمة الأهل والأحباب وشدّ الرحال ميمماً وجهه صوب مكة المكرمة ليؤدي مناسك الحج للمرّة الأربعين!، لبّى الاحرام بصدق نية وقربة الى الله تعالى والدموع تتطافر وتتسابق من عينيه، طاف ستة أشواط وصلّى خلف مقام ابراهيم ثلاث ركعات تعويضا عن الطواف السابع، وسعا بين الصفا والمروة مرتين فهو لايحب التقليد، ولكنّه وبطيب خاطر قصّر من شعر لحيته الكثّة الطويلة فلاأسهل من هذا الطلب، وبقلب كسير نحر حمامة بيضاء، وبطبيعة الحال لم يقف في عرفات خوفاً من ضربة الشمس، وأخيرا سلّم على الشيطان ثلاثا وتوجّه الى السوق بعدها ليشتري لعياله وأصحابه الهدايا من مال سرقه من جليسه في الفندق، وبالتأكيد لن يزور مدينة الرسول (ص) فهو بذات نفسه نبي!، وهاهو يستعد ليرجع لدياره وكله زهو بأنه سيعود كما ولدته أمّه والناس ستناديه بالحاج مسيلمة!.
"ولا أكذب من مسيلمة"!.. لعلنا نردد هذا المثل ونحن نقرأ المقطع الوارد في الأعلى، وسنقول هي نكتة ظريفة ونستذكر تلك الشخصية المشهورة في التاريخ، حيث ادّعى مسيلمة النبوة واستعان بالحيل والاحتيالات والرقى والنجوم وجاء بالكلام السخيف قائلا بأنه آيات من قرآنه من أمثال: والثاردات ثردا، واللاقمات لقما.. ورغم تفاهة ما كان يدّعي إلا أنه وجد متبعين وأضلَّ الكثير من الجهلة..
الذقون لم تعد مرتعا للضحك، فقد هلك مسيلمة وشبع موتا، نعم هو مات ولكن لم تمت سنّته، غاية مافي الأمر أنّ اليوم اختلفت الألبسة وتنوعت الأقنعة وتعددت الأسباب والكذبة واحدة، وهي أنّ مسيلمة ومن شابهه حجَّ وأدّى ماعليه وضمن الجنة وهو في الحقيقة ليس سوى كاذب وكافر!.
لسنا في صدد الحكم على زوّار بيت الله الحرام فالله وبلاشك هو وحده العالم بالنوايا وهو من يتقبل العمل أو يرفضه، وبيت القصيد من مقالنا أن نعرف بعض النتائج بعد أن نعرف المقدمات من جهة، وأن نزكّي أنفسنا فلعل في أعماقنا يسكن مسيلمة يختلف حجمه من شخص الى اخر..
فما أكثر الارهابيين الذين يحجّون اليوم ويبكون تضرعاً وترتجف أيديهم من ذبح شاة وهم الذين قتلوا ونكلّوا..
قد نتفق جميعا على زيف حَجّة هؤلاء المجرمين الخارجين عن كل دين، ولكن نحن المسلمين، كم من حاجّ اليوم يطوف بجسده حول الكعبة ونفسه تطوف حول الهوى والدنيا، راجم للشيطان في الجمرات وهو في الحقيقة يصادقه ويزامله في المهنة، كم من غاصب لأموال الناس وظالم لزوجته وعياله، كم من متعصّب بغير حق وفاقد للأخلاق والانسانية والقيم يردد في هذه الايام: لبيك اللهم لبيك..
حقيقةً نتساءل؛ ماقيمة مايقومون به إن كانت في رقابهم حقوق الخلق؟! وألا يعلمون أن حرمة المؤمن أعظم من الكعبة؟! وهل لبّوا حقاً ماأرداه الرحمان منهم؟
صدق أمير المؤمنين (ع) عندما قال: "كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه". "وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والظمأ"!.
وفي الديار المقدسة يقول الامام الباقر (ع) لأبي بصير جملته المشهورة والمؤلمة بحق: ما أقل الحجيج وأكثر الضجيج!.
ولاغرو فالكعبة المشرّفة هي ظاهراً مجرد أحجار، وليست هي هدف بحد ذاتها بل وسيلة، ولكن علّى المسلمين شأنها وقدّسوها لارتباطها بالله، فناقة نبي الله صالح هي مجرد حيوان كان يستطيع الناس قتلها قبلاً، لكن عندما نحرها قوم صالح أهلكهم الله وأنزل عليهم عذابه، لماذا؟ لأنها ارتبطت بالله..
كذلك أهل البيت صلوات الله عليهم، هم محال معرفة الله، لذلك ولا غلو يقول أئمتنا أن من فاته الحج فليعرج نحو قبر الحسين.
فمن يقصد مكة عليه أن يقصد رب البيت بنية صافية، ويتّبع ويطيع كل مايتعلق به عزو وجل، وإلا فما يقوم به مجرد طقوس وليس شعائر، فإن كان الله هو المحور، سيتحرك شيء بداخله فيتغيّر، وستُضبط بوصلته..
فأنت لن تكون حاجّا إذا لم تقطف ولم تعرف أساساً ماهي ثمار الحج، وإلا فأنت متاجر بإسم الحج، وتعبد الله على حرف، ومسلم كإسم ولكن كافر حتى النخاع، لأنك تعبد الله كما تحب وكما تريد لا كما يريد هو، تماما مثل الشيطان الذي أمره الله بالسجود لآدم ولكن الملعون طلب من الله أن يسجد له وحده، وقد يرى بعض المتطرفين من هذا الموقف وجهة نظر! ولكن ابليس أصبح من المرجومين الى يوم الدين!.
واخيرا، من يحج بيت الله ولايعرج الى مفترق طرق يدعى بغدير خم فهو مسيلمة، دينه ناقص، ناقم ورافض أو متجاهل لنعمة الولاية، ولم يرضى الاسلام دينا!.
اضافةتعليق
التعليقات