قال الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة:
"إتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البُقاع والبهائم".
واقع الأمة المأساوي:
تعيش أمتنا الإسلامية في هذا العصر وضعاً مأساوياً متردياً جداً.
فالإسلام الذي هو مبعث نهضة الأمة ومصدر حيويتها وكرامتها قد طرح من مسرح الحياة وسجن في زوايا الكتب وصدور العلماء، وحوصر في حدود التقاليد والعادات والطقوس.
والاستعمار لا يزال يحتل أجزاء عزيزة من ربوع الوطن الإسلامي، فالمسجد الأقصى أُولى القبلتين ومسرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت هيمنة شراذمة اليهود الغاصبين... والنعرات القومية والتكتلات الحزبية والمصالح الأنانية لا تزال تمعن في تمزيق جسم الأمة وتقطع أشلاءها.
والبؤس والفقر هما سمة الشعوب الإسلامية مع ما تمتلك من ثروات طائلة وأراضي خصبة معطاءة.
والتخلف الشامل يلف كلّ جوانب حياة الأمة ويسيطر على أجوائها..
والميوعة والفساد والإنحراف أصبح المصير الذي ينتظر كل أبناء الأمة وأجيالها المقبلة.
والاستبداد السياسي والقمع والإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان ومصادرة الحريات هي عناوين واقع حياة أغلب الشعوب الإسلامية.
إزاء هذا الواقع المؤلم الذي نعيشه لو تصفحنا مواقف الناس من أبناء الأمة لوجدناها تتمثل في المواقف التالية:
أولاً- موقف اللامبالاة:
هو الموقف الذي يضم غالبية أفراد الأمة حيث لا يتعدى تفكير كل فرد حدود نفسه ومصالحه الذاتية..
وقد تحدث الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة مُشيراً إلى حيوانية هذا الموقف معلناً رفضه لموقف اللامبالاة، يقول عليه السلام: "ولو شئت لاهتديتُ الطريق إلى مُصفى هذا العسل، ولُباب هذا القمح، ونسائج هذا القزِّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي،..."
ثانياً- الاهتمام السلبي:
وهنا قسم من الناس يدركون مدى التخلف والإنهيار العميق الذي تعيشه الأمة ويتألمون للأوضاع المأساوية التي تُعاني منها، ولكنهم يلقون بالمسؤولية على عاتق المجهول، فلا يرون لأنفسهم نصيباً في تحمل مسؤولية ما يجري ولا يلزمون أنفسهم بالقيام بأي دور تغييري.
ثالثاً: موقف المسؤولية:
ويعني: أن يعتبر الإنسان نفسه مسؤولاً عمّا يحدث، ويرى نفسه مطالباً بالقيام بدور ما لإصلاح الواقع المعاش، ويعتقد أن الله سبحانه وتعالى سيسأله ويحاسبه يوم القيامة عن دوره في المجتمع ومسؤوليته في الحياة، وهذا هو الموقف الصحيح الذي تفرضه الحقائق التالية:
1- لو سألنا الله تعالى عن الهدف الذي أوجدنا من أجله على سطح هذه الكرة الأرضية، لوجدنا الجواب من قبل الله صريحاً في آيات القرآن الكريم التي تعلن أنّ الهدف من وجودنا على ظهر الأرض، هو إصلاح الأرض وعمارتها، فالإنسان خليفة الله في الأرض...
فعند خلق آدم أبي البشر، قال الله تعالى للملائكة:{إني جاعلٌ في الأرض خليفة}، وفي آية أخرى يقول تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف الأرض}، فإذا كُنا خلفاء الله في الأرض، ألسنا بعد ذلك مسؤولين عمّا يجري على الأرض؟ فالتاجر الذي يخلف في متجره خليفة عنه أليس من حقه أن يحاسبه عمّا يجري في المتجر؟ والرجل الذي يعيّن ممثلاً له في أحد أعماله وشؤونه ألا ينتظر من ذلك الممثل الإصلاح ودفع الأضرار؟
وبعد أن عرفنا أنّ الهدف من وجودنا هو عمارة الأرض وإصلاحها وإقامة الخير والحق على ربوعها، هل يصح لنا أن نأخذ موقف المتفرج والمشاهد للمآسي التي تحدث أمامنا على وجه الأرض؟
يقول الإمام علي (عليه السلام) في نهجه الخالد: "فإنكُم مسؤولون حتى عنِ البُقاع والبهائم".
2- وهذا الدين الإسلامي العظيم الذي أنزله الله ليُنقذ به حياة البشرية من شقاء الجهل والإنحراف، ويحلّق بهم في أجواء السعادة والكمال... هذا الدين هل أنزله الله ليبقى في حدود الممارسات الفردية، أم أنزله لينظم كل جوانب الحياة؟
ولكن كيف يطبق الإسلام في الحياة؟
هل يكون ذلك عن طريق تدخل مباشر من قبل الله كأن ينزل ملائكته أو يرسل جناً، يفرضون الإسلام ويجسدونه في واقع الحياة؟ أو هل يهلك الله بشكل غيبي كل من لا يلتزم بالإسلام؟
إن التدخل السماوي المباشر يفقد الحياة قيمتها، فالحياة الدنيا إنما خلقها الله لتكون قاعة إبتلاء وإمتحان يأخذ البشر فيها حريتهم الكاملة... وإنما يريد الله تطبيق الدين عن طريق البشر أنفسهم، حيث يقوم الملتزمون بالدين بدورهم في العمل والنشاط والجهاد من أجل تطبيق الدين...
فمسؤوليتنا تتعدى حدود الإلتزام الفردي بالإسلام إلى مسؤولية التغيير الإجتماعي والإصلاح العام وفق مبادئ الإسلام.
3- وإذا بقي المتدينون ملتزمين بدينهم محافظين على صلاتهم وصومهم دون أن يكون لهم دور إجتماعي أو عمل تغييري، فماذا ستكون النتيجة؟
إن النتيجة الحتمية لهذا التقاعس من جانب المتدينين هي توسيع جبهة الباطل والفساد، وبالتالي سيطرة الظالمين والأشرار على المجتمع...
إن تجارب التاريخ وأحداث الماضي تدلُّ على أنّ الأشرار حينما يمتلكون زمام المجتمع سوف لا يتساهلون مع أي بريء أو هادىء، وسوف لا يتركون المصلين يؤدُّون صلاتهم وطقوسهم بحرية وراحة.
فما العلاج إذاً؟.. إننا في حاجة إلى الوقاية قبل أن نضطر إلى العلاج، وذلك بأن نبدأ بمكافحة الفساد والظلم والإنحراف، قبل أن يتفاقم ويستولي علينا ويمنعنا حتى عن الإلتزام الفردي بالواجبات...
4- إن الدين يحملنا – بصراحة – مسؤولية سوء الأوضاع، ويفرض علينا العمل من أجل تغييرها وإصلاحها، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضتان شرعيتان لا تقلان عن الصلاة والصوم في مستوى الأهمية...
يقول الإمام في نهجه العادل: "ما أخذَ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أنْ يُعلَّموا".
الخلاصة:
1- إنّ الواقع الذي نعيشه هو واقع مأساوي ومتخلف جداً.
2- إنّ موقف اللامبالاة الذي يقفه أكثر الناس من أوضاع الأمة هو موقف لا إنساني يجعل الإنسان يعيش في نفس مستوى وإهتمامات الحيوانات.
3- موقف التفرج والسلبية من الأحداث هو الآخر موقف أناني خاطىء.
4- أما الموقف الصحيح والسليم فهو تحمُّل المسؤولية والقيام بدور الإصلاح والتغيير.
5- وهذا الموقف الأخير الواعي تفرضه عدة حقائق أهمها:
1- إنّ الهدف من وجود الإنسان هو خلافة وتمثيل الله في الأرض.
2- وضرورة تطبيق الدين والذي لا يتحقق إلا بعمل المتدينين.
3- وإنطلاقاً من طبيعة الصَّراع بين الحق والباطل والتي تستلزم تضافر قوى الحق، وإلا إنتصر الباطل وصادر حرية وكرامة أهل الحق.
4- وأخيراً لأن الدَّين يحملنا بكلّ صراحة مسؤولية ما يحدث، ويفرض علينا مواجهة الأحداث وتغيير دفة سيرها.
اضافةتعليق
التعليقات