يُعرف التراث المهدوي على أنه: مصطلح شامل يتسع لكل ما له علاقة بالإمام المهدي من نصوص القرآن والسُّنَّة واجتهادات العلماء، وهو لا يقتصر بالضرورة على الإنتاج الفكري، بل يتسع ليشمل كلَّ ما خلفه الشيعة عبر العصــور مــن أشكال متعددة ثقافية وفنية وفكرية، وبشتى اللغات وفي كل بقعة من بقاع الأرض، وبعبارة مختصرة: هو السجل الكامل للنشاط الشيعي في مجال القضية المهدوية. إن التراث المهدوي الشيعي تتضح أبرز صوره في الكتب والمصنفات وضروب التأليف التي تعطي انطباعاً كبيراً عن أهمية القضية المهدوية، والمحاضرات الصوتية للعلماء، والشعر المهدوي بشتى أشكاله، وفي العصر الحديث الأفلام الوثائقية المهدوية، بالإضافة للأشكال الأخـرى مـن أنــواع التراث، كما كان له بالغ الأثر في المحافظة على المهدوية الأصيلة وصونها من الانحراف والتضليل. انبثقت جذور الاعتقاد بالأطروحة المهدوية عند الشيعة الإمامية من ركنـي الإسلام: الكتاب والعترة، فشق الاعتقاد طريقه بيسر وسهولة باعتبار أن أصل القضية ومنبع الفكرة هي المصادر الرئيسية للشريعة الإسلامية (القرآن والسُّنَّة). وبنظرة فاحصة وجوهرية للتراث المهدوي الشيعي يلزم التأكيد على ضرورة التفريق بين جهتين مــن هــذا الــتراث: الجهة الأولى: التراث المرتبط بالوحي (التراث الوحياني)، وهو عبارة عن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة المرتبطة بالشأن المهدوي، والذي أضفى صفة القداسة عليه، وهذا الجانب من التراث المعرفي (العقدي) لا يقبل إلا الصواب وموافقة الحقِّ والواقع ، وهو الذي يُحدد الإطار الديني والمنظور المعرفي. الجهة الثانية: التراث المرتبط بالمنجز الإنساني أي الفكر المتغير (التراث البشري)، وهو عبارة عن الآراء والأفكار والنظريات المرتبطة بالشأن المهدوي، وهذا الجانب من التراث الفكري يقبل الصواب والخطأ، وهو الذي يُحدّد الإطار الزمني والمنظور التاريخي والحضاري. بالتأكيد ليس هناك انفصال بين هاتين الجهتين في التراث المهدوي الشيعي، بل هناك وحدة وترابط وتناسق في الجانب المعرفي في المنظومة الفكرية. أهم ما يميز أتباع مدرسة أهل البيت على طول التاريخ هو حضارية الفكر والموقف، فقد انحاز الشيعة إلى العلم وحرية الرأي، واهتموا كثيراً بآلية المعرفة وبالأخص فيما يرجع إلى تدوين العلوم والمعارف والأحاديث الشريفة، لما كان له بالغ الأثر في النهوض الفكري للطائفة وتشكيل التراث الشيعي. وبنظرة سريعة وبتتبع موجز نجد أن الكتب والدراسات المهدوية تحتــل مساحة واسعة من البحوث والتقصي المعرفي، فالمكتبة المهدوية خزانة عظيمة متشعبة الأبعاد ومتعددة الجوانب، ومن أجل تسليط الضوء على أهمية التراث المهدوي وحجمه وغزارته، نود الإشارة إلى الإحصائيات التي تفصح عن حجم هذا التراث وتعطينا فكرة عن تصانيف علماء الشيعة عبر مراحل التاريخ. إن ملامح الثقافة المهدوية المعاصرة تشكلت من المفاهيم والأفكار الإسلامية الأصيلة التي بنيت عليها أسسه، ومن التراث المهدوي الواسع الذي تواصلت معه وانطلقت منه. لذا فقد انبثقت هذه الدراسة للتعريف بتاريخ التراث المهدوي الشيعي، ومدى استجابة التغيّرات والمستجدات فيه لمتطلبات كل مرحلة تاريخية، وسيكون تركيزنا فيها على نقطتين جوهريتين... أولاً : إعطاء رؤية واضحة عن التراث المهدوي الشيعي، ومجرى الأحداث التاريخية المؤثرة في مسيرة القضيَّة المهدوية، لتتضح لنا الأزمنة الفكرية التي مر بها التراث، والمؤثرات الجوهرية على النتاج الثقافي المهدوي لكل مرحلة. ثانياً: استقراء التطوّر الفكري في التراث المهدوي الشيعي على ضوء المسار التاريخي، وسيكون معيارنا في رصد التطوّر في المنظومة الفكرية المهدوية هـو المنهج العلمي المتبع في كل مرحلة تاريخية. من المجلة العلمية التخصصية(الموعود)
اضافةتعليق
التعليقات