لم أكن أعرف "لابوبو"، ولم يخطر ببالي أن دميةً غريبة الشكل بأسنان بارزة وعيون طفولية واسعة ستصبح حديث الفتيات والشباب، وستتحول من لعبة إلى رمز، ومن رمز إلى ظاهرة نفسية واجتماعية.
المرة الأولى التي سمعت فيها بالاسم كانت من خلال إحدى المشهورات العراقيات، ظهرت وهي تحمل حقيبة فاخرة تتدلى منها تلك الدمية. لم تكن تشرح الكثير، فقط قالت بابتسامة: "هاي لابوبو، صديقتي المجنونة"، وضحكت، وضحك معها جمهورها الرقمي. بعد ذلك، بدا لي أن لابوبو لا تضحك فقط… بل تضحك علينا.
بدأت أبحث عن أصل هذه الشخصية. اكتشفت أن لابوبو ابتكرها فنان من هونغ كونغ يدعى "كاسينغ لونغ"، وبدأت رحلتها من خلال متجر ألعاب شهير يُدعى "بوب مارت". من هناك، دخلت السوق كجزء من مجموعة "وحوش لطيفة"، لعبة بلاستيكية محدودة الإنتاج، غريبة الشكل، تجمع بين ملامح البراءة والجنون، الطفولة والرعب.
لكن النقلة الحقيقية لم تحدث في المحلات… بل على يد ريهانا، ثم دوا ليبا، ثم مئات من المؤثرين الذين احتضنوا لابوبو كأيقونة جديدة. لم تكن مجرد دمية بعد الآن؛ بل أصبحت أسلوب حياة، "ستايل"، طريقة للتعبير عن التفرّد، الغرابة، وربما الحزن.
ومن هناك، وصلت إلينا في العالم العربي، بسرعة الضوء، لا سيما عبر التيك توك وإنستغرام. اقتنتها الفتيات وتحدث عنها الشباب، وتحولت خلال أسابيع قليلة إلى "ترند"، وكأنها تمتلك مفاتيح جيل يبحث عن أي شيء يعبر به عن ذاته… حتى لو كان دمية بأسنان.
في خضم هذا الجنون، خرج البعض ليبرر الظاهرة قائلًا:
"وما الضير؟ خلي الشباب يتونسون، يلعبون، يرتاحون من ضغوط الحياة."
في الظاهر، لا خطأ في هذا الرأي. من حق أي إنسان أن يفرح، أن يرفّه عن نفسه، أن يضحك.
لكن السؤال الحقيقي ليس في الضحك، بل في ما يختبئ خلفه.
لماذا يتعلّق شبابنا بهذه الظواهر السريعة؟ لماذا يتحول الغريب إلى محبوب؟ والتافه إلى موضة؟ هل نحن أمام مجرد لعبة؟ أم أن هناك منظومة تسويق عالمية تدرس مزاج الأجيال وتقدّم لهم منتجات ليس الهدف منها اللعب… بل صناعة هوية جديدة؟
لابوبو – كما غيرها من الترندات – تُغلف حالة فراغ داخلي، يهرب منها الشباب إلى "الغرابة الجاهزة"، والاختلاف المصنوع، والتمرد دون اتجاه.
انها ليست لعبة فقط، بل مرآة لجيل يبحث عن ذاته في الأماكن الخطأ. جيل يشعر أن الحياة لم تعد تهمه، فيبحث عن أشياء "تشبهه في اللّا معنى"، فيستبدل الحلم بميدالية، والهوية بملصق، والوعي بضغطة لايك.
والمشكلة ليست في لابوبو وحدها، بل في الطريقة التي تتحول بها أي تفصيلة بسيطة إلى مركز ثقل نفسي للشباب.
ما الذي يجعل جيلًا بأكمله ينجذب لمجسم صغير يُعبّر عن "وحدة"، أو "غرابة"، أو "كآبة لطيفة"؟
أليس هذا انعكاسًا لما في الداخل؟ أليس هذا ناقوس خطر؟ لا نقول هنا إن كل من يقتني لابوبو هو فارغ فكريًا أو ضحية. لكننا نقول إن كثرة هذه الظواهر تُشير إلى تحول ثقافي خطير، يبدأ من الاستهلاك العاطفي وينتهي بفقدان البوصلة.
جيلٌ يُربّى على يد الترندات… لا المبادئ. يعبّر عن أحاسيسه بالرموز الجاهزة… لا بالوعي والتجربة. في النهاية، لا عيب في اللعب، ولا في الانبهار.
لكن الخطر يبدأ حين نسمح للأشياء التافهة أن تملأ فراغنا العاطفي والمعرفي. وحين نصبح مثل لابوبو نفسها: مبتسمين طوال الوقت… بينما لا أحد يعرف ما الذي بداخلنا فعلاً.
فلابوو ستغادر. مثل كل صيحة. لكن سؤالًا سيبقى بعدها: هل نحن من نملك ذوقنا ووعينا… أم أن كل ما فينا يتم تشكيله من الخارج، دون أن نشعر؟
اضافةتعليق
التعليقات