لقد بتنا نعلم السبب الذي يدفعنا إلى أن نفقد هدوءنا ومزاجنا المعتدل عندما يزداد شعورنا بالجوع. لكن هل صحيح حقا أن المرأة أكثر غضبا عند الجوع من الرجل؟
بعد أسبوعين من بدء نظام غذائي يعتمد على كميات منخفضة من الكربوهيدرات، بدأت الممثلة الكوميدية جيس فوستكو الشعور بما يُعرف بـ "الجوع المقترن بالغضب"، وهو مصطلح صيغ حديثا يجمع بين كلمتي "جائع" و"غضبان" في لفظة واحدة في الانجليزية، وهي "hangry".
وقد أضاف قاموس أوكسفورد هذه الكلمة الجديدة إلى مفرداته في يناير/كانون الثاني عام 2018.
وتقول فوستكو: "لقد مررت بموقف على الطريق أثار غضبي. السيارة التي كانت تسير خلفي، والتي تصادف أن تكون مليئة بعدد من الرجال من ذوي البنية الجسدية الضخمة، ظلت تطلق البوق بحجة أنني لا أسير بالسرعة الكافية".
وبعد أن نزلت عن سيارتها وأظهرت لهم تحديا واستعدادا للمواجهة، قدموا لها التحية المصحوبة بالضحك، فعادت إلى سيارتها مرة أخرى وواصلت طريقها.
وأضافت: "لقد انسحبت وتنهدت بشيء من الغضب، وبعدها تعهدت أنني لن أتخلي عن تناول الكربوهيدرات مرة أخرى".
فما الذي حدث في هذا الموقف مع فوستكو؟
تقول صوفي ميدلين، المحاضرة في علوم التغذية والنظم الغذائية بجامعة كنغز كوليدج لندن: "لقد عرفنا منذ فترة طويلة في العلوم أن الجوع يؤدي إلى سرعة الانفعال. لكن مواقع التواصل الاجتماعي الرائعة أسهمت مؤخرا في ظهور لفظة واحدة تجمع بين كلمتي 'جائع' و'غضبان' في اللغة الانجليزية".
وتضيف ميدلين: "عندما ينخفض لدينا مستوى السكر في الدم، تزيد مستويات الكورتيزول والأدرينالين في أجسادنا، وهي هرمونات مسؤولة عن استجابة الجسم لما يعرف بـ 'المواجهة أو الهروب'".
ولهذه الهرمونات تأثير على أدمغتنا، وذلك لأن ما يعرف بـ "البيبتيدات العصبية"، وهي مكونات تفرزها الخلايا العصبية وتعد نوعا من أنواع النواقل العصبية، تتحكم في المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ.
وتضيف ميدلين: "وهذه المواد التي تسبب الشعور بالجوع هي نفسها المواد التي تثير لدينا الغضب، والسلوكيات الانفعالية. لذا، تتكون لديك تقريبا نفس الاستجابة".
كلنا خَبرنا ذلك الشعور بسرعة الانفعال أو الغضب عندما يكون لدينا إحساس بالجوع يؤلم بطوننا من الداخل، لكن وسائل الإعلام تصور ذلك على أنه ينطبق على المرأة أكثر من الرجل.
وكثير من المقالات التي تتحدث عن ارتباط الشعور بالجوع بسرعة الانفعال تستخدم في الغالب صورا للنساء وهي تصيح أو تعبر عن غضبها بسبب الجوع.
وكذلك يشير البعض إلى لاعبة التزلج الأمريكية تشلو كيم، صاحبة الميدالية الذهبية، التي كتبت تغريدة على موقع تويتر خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية هذا العام قالت فيها: "تمنيت لو أنني تناولت شطيرة الإفطار بالكامل، لكن نفسي العنيدة قررت ألا أفعل ذلك. لكنني الآن أشعر بالجوع المقترن بالغضب".
فهل النساء حقا أكثر تأثرا بالجوع؟
بسبب كيمياء الدماغ، من المرجح أن يؤثر الجوع المقترن بالغضب على الرجال أكثر من تأثيره على النساء.
تقول ميدلين: "ليس الأمر هكذا على الإطلاق. ويمكن أن يحدث لأي شخص، وربما من المرجح في ضوء علوم الأعصاب أن يحدث هذا مع الرجال أكثر من النساء".
وفي الواقع، هناك تقارير تفيد بأن ما يعرف بـ "البيبتيدات العصبية" تكون أكثر لدى الرجال، وهي مواد كيميائية تؤثر على حالة الدماغ، كما تقول ميدلين.
وتتأثر هذه المواد الكيميائية أيضا بعدة أشياء، مثل التقلبات في إفراز هرمون الاستروجين لذا، قد يحدث أن تشعر بعض النساء بالجوع المقترن بالغضب أو سرعة الانفعال خلال تلك الفترة.
وتقول ميدلين: "لكن من الناحية الكيميائية الحيوية، وفيما يتعلق بعلم الأعصاب، الرجال أكثر عرضة لهذا الشعور من النساء، وذلك بسبب المستويات العليا من هرمون التيستوستيرون، المرتبط بمزيد من هذه المستقبلات العصبية".
إن تلك النظرة إلى المرأة فيما يتعلق بالجوع المقترن بسرعة الانفعال هي مجرد جزء من الصور النمطية الشائعة المبنية على التمييز بين الجنسين، والتي تتضمن أيضا تشويه سمعة الرجال الذين يبوحون بمشاعرهم على الملأ، لذا يكون الرجال أقل تعبيرا عن تلك المشاعر.
وتقول فوستكو: "ربما يكون الأمر أن الرجال لا يرون أن بمقدورهم التحدث عن مشاعرهم وعواطفهم المتعلقة بالطعام والجوع علنا، وربما يكون ذلك هو السبب وراء الافتراض بأن ذلك الأمر مرتبط أكثر بالنساء".
وتقول ميدلين: "كل شخص لديه علاقة ما أكثر تعقيدا مع الطعام".
وتضيف ميدلين: "يمكن لذلك الشعور بالجوع المرتبط بالغضب أن يؤثر أيضا على علاقاتك الشخصية. كما أظهرت دراسة أُجريت عام 2014، والتي توصلت إلى أن تراجع مستويات السكر في الدم يرتبط بوجود علاقات أكثر عدوانية بين الأزواج".
وتوصلت بعض التجارب العلمية أيضا إلى أن الأزواج يكونون أسرع غضبا وتعبيرا عن غضبهم تجاه بعضهم البعض من خلال الصوت المرتفع، عندما يزيد لديهم الشعور بالجوع.
لكن كيف يمكننا أن نتجب ذلك الشعور بالجوع المقترن بسرعة الانفعال؟
تقول ميدلين: "يتعلق الأمر بطول الوقت الذي ستنتظره قبل تناول وجبتك التالية".
وتضيف: "أنت تحتاج إلى شيء يرفع مستوى السكر في الدم قليلا، ويبقيه مرتفعا لفترة ما. لذا، فإن تناول وجبة خفيفة تحتوي على بعض الكربوهيدرات اللذيذة قد يكون أفضل شيء يمكنك فعله". حسب بي بي سي.
اضافةتعليق
التعليقات