على غرار باقي المدن العراقية تشهد ظاهرة التسول في كربلاء استفحالا وتزايدا كبيرين، حيث يرابض المتسولون بالشوارع والأماكن العمومية والأسواق وغيرها من الساحات، بمد أيديهم لجمع الأموال للعيش، فيما آخرون يتسولون للاغتناء إذ أصبح المتسولون يبتكرون تقنيات وأدوات للتسول قصد التأثير في نفوس المارة والظفر بعطفهم، فمعظمهم يستخدم عبارات دينية تدعو للمارة بالخير والرحمة، مثلاً ببوابة جامعتي كل يوم أتلقى ذات الدعاء من ثلاث نساء يتوزعن على طول الطريق المؤدي إلى بوابة الجامعة ولا يفصل بينهن سوى عدة أمتار ولا يتغير مكانهن ولا تجرأ واحدة أن تتعدى على مكان الأخرى لدرجة ظننت أن اختيار الأماكن ليس إعتباطاً وفي المساء يتبدلن فيرابط المكان بعض من الأطفال وكبار السن ليغيروا أسلوب الصباح من دعاء إلى تعدي على الطالب والتجاوز أكثر في حدود الوقوف مما يسبب احراجا فإما أن يعطيه أو يذهب من مكان وقوفه فيتلقفه آخر، ويعتمد بعض المتسولين كذلك على وضع وصفات طبية أمامهم، كما تحمل النساء معهن أطفالا حديثي الولادة لا يكبرون أبدا فكلما مررنا بذات الطريق المؤدي إلى مقصد ما كانت تلك المرأة تحمل جنينها وتعرضه للشمس دونما وعي منه فهو نائم على مدار وقتها المحدد للتسول.
وهزيل لدرجة أشك بأنه لعبة لو لم يتجمع على وجهه الذباب وهي دونما اكتراث تركته فريسة لتثير العطف، فينتابني الشك الذي يجزم أن الأطفال لا يمتون لهن بصلة أو قرابة فمن غير الممكن أن تكون هناك أمهات بهذه القسوة، وآخرون يبدون إعاقاتهم الجسدية، وكل هذه الفنيات ترافقها ملامح حزينة وعبارات مؤثرة تصل إلى حد البكاء بالدموع استدرارا لعطف المواطنين وإثارة شفقتهم.
وحين نبحث حول استفحال ظاهرة التسول تتضارب الآراء، البعض يرى أن هناك متسولين بحاجة ماسة لمساعدات نظرا لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية المزرية، بينما يرى البعض الآخر إلى أن هناك من هم ليسوا في حاجة إلى مد أيديهم للتسول، غير أنهم اعتادوا التسول وهم يعتمدون تقنيات معروفة في مجال الخداع والاحتيال، وفي ظل هذا العدد الهائل من المتسولين، أصبح من الصعب التمييز بين المتسول المحتاج وذلك المحتال، مما يدفع بالعديد من المواطنين إلى الامتناع عن دفع صدقة فيضيع حق الفقير على باب حيلة الكاذب.
عموما، فإن الظاهرة استفحلت بشكل لافت وفاقت كل الحدود، وتزداد أمام غياب سيف القانون تلمساً للصدقة، إذ ما أن تأخذ مكانك على أي رصيف أو مكان للوقوف حتى يصعد المتسولون أفواجا تختلف أعمارهم، نساء يدعون أنهم يعولون أطفالا يتامى، ورجال يستعطفون الناس بإبراز عاهاتهم، أو مرددين لازمة “من مال الله صدقة لمحتاج”.
العلاج الإسلامي للتسول:
وضع الإسلام تشريعاً كاملاً وشاملاً لجميع جوانب الحياة الإنسانية، يقي الإنسان من جميع الظواهر السلبية الخاطئة ويعالجها إذا ما حدثت في الواقع المعاش، فالتشريع وقاية قبل الوقوع، وعلاج بعد الوقوع، وقد جعله الإسلام تشريعاً نموذجياً لمعالجة مشكلة الفقر والحرمان وما ينتج عنهما من ظواهر سلبية كالتسوّل وغيره، واعتبره تشريعاً اجتماعياً قائماً على أساس علاقات التراحم والتعاون وطرح فيه حلولاً.
١-التشجيع على العمل والكسب.
٢-الحث على الاستغناء عن الناس وذم السؤال: حث الإسلام على العمل والاستغناء عن الآخرين، ونهى عن السؤال في كلام الإمام الصادق (عليه السلام): (إياكم والسؤال، فإنه ذل في الدنيا، وفقر تستعجلونه، وحساب طويل يوم القيامة).
٣-التشجيع على الكفاف وذم الطمع: الطمع وعدم القناعة بما هو موجود من مال، وعدم العيش بكفاف، يدفع بالبعض إلى التسول، ولذا شجع الإسلام على القناعة والكفاف وذم الطمع.
قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (طوبى لمن هدى للإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع به).
٤-الإنفاق التطوعي: هو الإنفاق المستحب الذي حث عليه الإسلام من أجل إشباع حاجات الفقراء والمُعوزين وتعميق أواصر الود والمحبة بين المسلمين .
قال سبحانه وتعالى: (يَا أيهَا الّذِينَ آمَنُوا أنفِقُوا مِن طَيباتِ مَا كَسَبتُم) وهذا الانفاق يكون في مكانه الصحيح فبدل أن تقدم الصدقة لمن لا يحتاجها هناك متعففين بأمس الحاجة إليها وإن لم تكن ممن يعرفهم فكثير من المؤسسات المشهود بنزاهتها وطريقها القويم قامت على بيان المحتاجين واحصائهم والتكفل فيهم وهم أولى بالصدقات التي تزرع على وجههم الابتسامة أولهم الأطفال اليتامى.
وكل مايثير الخوف في نفوسنا أن يتقبل المجتمع التسول بالطرق الرفيعة التي تكاد تخلُق ثقافة تبيح وتُشجع على الاستجداء بطرق مختلفة ولكن جميعها تصب في تشجيع طبقة طفيلية تعيش على التسول بمستويات مختلفة يقفون عند إشارات المرور أو يستجدون في الأسواق والمحلات العامة، وغياب الرقابة الحكومية سبب رئيسي كذلك غياب دور المنظمات المجتمعية المختصة من انتشار هذه الظاهرة والسكوت عليها من الحكومة المحلية دليل على ضعفها لأنه وباء يفتك الشعوب .
اضافةتعليق
التعليقات