• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

المكالمة الأخيرة (1)

نور جوهر / السبت 14 كانون الثاني 2017 / منوعات / 2499
شارك الموضوع :

"سبونج بوب".. تلفظت فاطمة ذات الأربع سنوات بهاتين الكلمتين و هي على سريرها الصغير في غرفتها الدافئة... كانت الإضاءة خافتة بينما تستغرق هي في نو

سبونج بوب.. تلفظت فاطمة ذات الأربع سنوات بهاتين الكلمتين و هي على سريرها الصغير في غرفتها الدافئة... كانت الإضاءة خافتة بينما تستغرق هي في نومها تنعم بالهدية التي جلبها لها والدها بعد أن وعدها اليوم صباحا قبل أن يذهب لعمله، ليس حلما فحسب، بل هو المستقبل القريب القادم...

هكذا كانت تظن الفتاة الصغيرة، في حين أن والدتها كانت ساهرة على راحة رضيعتها (رقية) التي لم تكمل الشهرين حتى الآن، رضيعتها التي رأت والدها مرتين لن تتذكره فيهما أبدا، فالأولى كانت يوم ولادتها قبل أن تستطيع فتح عينيها البنيتين الجميلتين، يومها أجبرت أن تخرج من رحمِ أمها الدافئ بعملية قيصرية على عكس إخوتها الإثنين و أختها فاطمة، و الأخرى أمس عندما جاء على عجلة و بإذن خاص لليلة واحدة فقط لأن زوجته قد إتصلت به مرات عديدة وهي تعدد إحتياجاتها و إحتياجات أطفالها الأربعة التي تزداد يوميا و لم يكن بوسعها تلبية أيٍ منها! فإتصلت بعدما بكت لبكاء الرضيعة  التي لم تهدأ منذ قرابة الساعة و بعدما وقفت عاجزة أمام طلبات أطفالها البقية:

- محمد حبيبي شلونك، هممم؟

تحاول جر نفسها المبلول و تحسِّن صوتها المبحوح، ولم يكن هناك من داعٍ لإيقاف إنهمار دموعها على ثياب رقية التي سكنت أخيرا بعدما تعبت من البكاء بلا طائل، فهو لا يرى دموعها بل يسمع صوتها المختنق فقط..

- هلو أم مصطفى حبيبة قلبي المجاهدة - يسعل مرتين-، أنا بخير الحمد لله، الواجب مستمر و ماكو نزول هالفترة لأن الهجوم مستمر، أنتوا شلونكم؟ مدبرين أموركم إن شاء الله؟.

ماذا تجيبه الآن و قد أعيتها طلبات أطفالها وأنهك قواها الإهتمام بثلاثة أطفال و رضيعة! ولم يتبق لديها من مالٍ يكفي لشراء خبز لفطور الغد.

- محمد ما بيها مجال بعد لازم تجي باچر ما أگدر أتحمل بعد، ما ظل عدنا ولا فلس، و تدري أهلي بغير محافظة وأهلك ما يحاچونا هنا، الطفلة تعبتني حيل والجهال شنو أوكلهم باچر؟!. الواجب و الوطن على عيني و راسي و مضحية بيك بلا منيّة، في سبيل الله و العقيدة و الوطن كل شي يهون، ما أريدك تبقى يمنا نشبع منك ولا أريدك تدرِّس مصطفى دروسه إلي مادا يعرفها ولا تلعِّب فاطمة إلي تحلم تلعب وياك بنومها و گعدتها، ولا تشيل  رقية و تسمعها من تناغي و تسوي حركة جديدة كل يوم، ولا أريدك تطبطب على راسي و تسمّعني كلامك الحلو أو تطلعنا للمتنزه،  أريدك تجي بس تشوِّفنا طولك وننام بأمان أنفاسك و تنطي دين أبو الخضرة و أبو المحل و أبو الصمون، و بنفسي أگول لك روح الله و محمد و علي وياك، روح كمل واجبك الأهم هناك... بالجبهة.. هييييئ.

مع شهقتها هذه، إمتلأت شاشة الجهاز الخلوي بالدموع لكلا الطرفين وخنقتهما العبرة فظل الهاتفان يتهامسان بمفردهما؛ يواسي بعضهما بعضاً في ظل صمت الطرفين الذي لا يعلم به في تلك اللحظة غير الأقمار الصناعية التي إقشعر جناحاها و إرتجفت ذبذباتها من فرط ما نقلا من حسرات و آهات و دموع...

في صباح اليوم التالي حيث كان الندى على شبابيك و أبواب المنزل الحديدية والجو غائم قليلا مع برودة لذيذة تستطيع معها إستنشاق هواء الصباح النقي توازنها رائحة الخبز ذي السمسم الشهي يتدفق منه بخار دافئ أمام باب المنزل و صوت قفل الباب يتحرك بروية و حنان كأن اليد التي تحركها لم تمسك بندقية قط، لم ترمِ قنبلة قط! بل لم ترفع عصاً حتى:

-هوَ! إي هو!

نظرت هي من خلف ستارة المطبخ و أسرعت بفتح الباب، عبرت الحديقة الصغيرة لترتمي عليه دون إكتراث بجسدها أين ترميه، فهو حاضنتها الدافئة أينما رمت نفسها سيلتقطها برقة سرير الريش و يحيطها بيدي أبٍ حنون. مرت لحظات ليرنّ جرس إبريق الشاي فيذكرهما بأنهما على رمق الإشتياق، و الوصال لا يزيد العشاق إلا عطشا!

بعد ليلة هانئة تعالت فيها ضحكات الأطفال و أصوات لعبهم مع والدهم، إعترضت خلالها فاطمة على والدها وإخوتها أنهم لا يدعوها تفوز عليهم في لعبة القتال ضد داعش –فليس هناك لعبة مشوقة أكثر من هذه اللعبة فقد إنعكس هذا الواقع على كل تفاصيل حياتهم– لذلك وعدها أبوها بأنها ستفوز دون مساعدة من أحد، إن لم يكن في هذه اللعبة ففي لعبة سبونج بوب التي تريدها بشدة، ستكون الأمهر في إيجاد قطعة القطن المحشوة المسماة سبونج بوب لحبها لشخصية أفلام الكارتون هذه و ثم إستخراجها من أصعب الأماكن التي يخبئها فيها إخوتها..

 إنتهت ليلة الأماني و الدلال و دقّ واجب الجهاد مبكرا، فحانت لحظات الوداع...

بكل عزم و إرادة رفعت آمال (أم مصطفى) وعاء الطعام السفرطاس و دفعت به إليه:

-هذا يكفي إلك و لأصدقائك غده، أودعك بعين الله، و تحرسك چفوف العباس يا كل حياتي.

يقبلها من أعلى رأسها و يأخذ الوعاء ليشمه!

-شنو حاطه بيه؟ طيب الأكل لو أتفشل؟

بإمتعاض شديد تقطب حاجبيها و تزم شفتيها، فيسارع هو ليتدارك الموقف:

-هههههههه تعالي. يضمها إليه بيده الأخرى ثم يأخذ يدها ليقبلها. -شماتسوّي هذي الإيد طيب.. ما أوصيچ بالجهال، و الفلوس بالدولاب كالعادة، أول ما أوصل أخابركم إن شاء الله، وصيت صديقي هم يمر عليكم كل فترة يشوف إذا محتاجين شي..

يتوجه لأطفاله، ينزل إليهم ليستطيع النظر مباشرة في أعينهم البريئة و يقول لنفسه: نعم من أجل حياة أفضل لهم، يستحقون مستقبلا آمنا حرا، من أجلهم نصنع ما نصنع. يمسك ولده البكر من أكتافه:

-مصطفى حبيبي أنت رجّال البيت هسه، إسمع كلام ماما و ديربالك على أخوتك.

يتوجه لفاطمة و يبعثر شعرها: ليش ضايجة راح أجيبلچ سبونج بوب و نلعب كووووومة.

يقبل طفله علي الذي لم يكمل السنتين تقريبا و يرفع رضيعته ليلاطفها:

-إنغاااا.... هوو 

آمال مندهشة و فرحة: فدوة حبيبة ماما هذه أول مرة تضحك و تناغي بهالشكل.

يجيبها محمد :إنغاااا.. گلبي كملي سولفيلي شنو بعد.

في هذه اللحظة، يدق باب المنزل... ليعلن أنه حان وقت الذهاب الآن:

-إجوا عليّ .. في أمان الله، لا تنسونا من الدعاء بصلواتكم.

يقولها و يهرول ببطء مرتديا زيه العسكري حاملا وعاء الطعام فقط فهو لم يأت بثيابه و باقي حاجاته، لأنّ مستقرها في الثكنات العسكرية، ثم يختفي خلف الباب..

تقف العائلة تترقب سماع (زفة الوداع) التي يقوم بها مع زملائه عند كل إلتحاق، فيزمرون ببوق السيارة و يصفرون حتى يبتعدوا.

بعدها بسويعات... تحاول آمال الإتصال بمحمد دون فائدة... تعاود الإتصال... ليس من رد بعد...

كان محمد يحاول الوصول للهاتف الوحيد الذي بقي يعمل هناك، لحسن الحظ إنه هاتفه المحمول، إستعمله جميع من فقدوا هواتفهم أثناء الهجمة الشرسة، ليُطمئنوا أهاليهم، وآثرهم على نفسه، لسوء حظه منعه الرمي المستمر عن الوصول لهذا الهاتف الذي رُمي خلف صخرة مفصولة عن الصخرة التي كان يختبئ خلفها، لسوء حظه الشديد قد ذهب بعيدا حينما حان دوره لإستخدام هاتفه! ربما هو القدر.. يحاول مدّ يده، تمنعه الرصاصات من الوصول إليه، يرفع عصاً صغيرة و يسحب الهاتف نحو جهته قليلا فيطير الهاتف بعيدا لتلقِّيه رصاصة تهشمه، إنتهى أمر الهاتف الأخير في تلك الساحة، سيركزون الآن على ردع وابل الرصاص و إسكات رماة الأعداء للأبد... في ساحات المعارك ستنسى الكثير و يبقى تركيزك على أنك يجب أن تنجوا أولا لتستطيع تحقيق هدفك بالنصر و الثأر لإخوتك في الله، هذا هو المشكاة التي تنير ظلمة ساحات الوغى.

بعدها بساعات... سُمِع صوت عويل وصياح في منزل أهل محمد المجاور لمنزل عائلة محمد.

صُعِق قلبها بتيار كهربائي قوي، توقفت آمال عن تحريك يديها في شطف الثياب، كان صوت الماء من الصنبور كفيلا بمنعها من سماع أي صوت آخر، تكرر الصياح و العويل، كان يصلها منه ضوضاء خفيفة مشوشة، قالت لنفسها: كالعادة مشاكل بينهم.

لم يطمئن قلبها لهذا التفسير، أغلقت صنبور الماء، مشت قليلا إلى وسط المنزل، إنه صوت عالٍ هذه المرة، إرتدت ثيابها و حجابها و أوصت مصطفى بأن يبقى و إخوته في المنزل.

-مصطفى: ماما الطفلة دا تبچي. 

-إي هسه أجي ماما روح هز الكاروك.

كان الجيران و الأقارب هناك جميعا، أمام المنزل سيارة الجيش و أصحاب محمد هناك.. تسارعت دقات قلبها، بدأت الدموع تنهمر بحرقة، تركض لتدخل المنزل و هي تصم أذنيها عمن يحاول الكلام معها:

- ما أريد أسمع شي، لحد يگول لي أي شي، وين محمد؟ أريد أشوفه.

لم تستطع الوصول إليه، منعوها من رؤية جثته!

سمعت أصواتا لم تميز مصدرها: محمد إستشهد، راح إبني. حبيبتي إدعي له بالرحمة و صلي له صلاة الوحشة. أنت ما تشوفيه بعد، راح محمد.

-أريد بس أشوفه آخر مرة، حرام عليكم ما تخافون الله؟ بعدوا عني.

دون جدوى.. عادت لمنزلها مكسورة، لا تعلم ما تصنع، أتعاتبه لموته هكذا؟ أم تشق جيبها عليه؟ أم تنقم على هؤلاء الظلمة؟! -أنا صاحبة العزاء.. أنا الوحيدة التي إرتبطت حياتي بحياته و موته بموتي.. كيف يجرأون؟ هذا لسان حالها و هي تصل لمنزلها، خيّم الليل بأشد لياليه ظلمة و أحلكها، ما أهون ليلة الأمس من هذه الليلة!

-البارحة إجيتني و عفت الواجب علمود تعوِّض اليوم بروحة بلا رجعة؟! تكلمه بعد أن نام الأطفال و سكنت رضيعتها في حجرها، ليأتي نداء رقية سبونج بوب في نومها و يهيج أوجاعها مع ذكريات الأمس، يبدو أن سبونج بوب سينتظر طويلا ليغفو بجانبك يا رقية، غدا صباحا سيدفنون جالب سبونج بوب من غير رجعة، لن تكوني بحاجته أصلا فمع من ستلعبين به يا صغيرتي؟.

الحشد الشعبي
العراق
الارهاب
المرأة
الحياة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    طموح الذات واحتياجات الأبناء، أيهما أهم؟

    حين يُولد القلب في ساحة حرب

    بسكويت من الشوكولاتة الداكنة قد يساعد على فقدان الوزن

    من كوخ العجوز إلى عرش الرّحمن

    لماذا أنجبتني؟

    أنشطة يومية تقلل من خطر الإصابة بالخرف

    آخر القراءات

    رؤية الجمال عند البلاء.. درس زينبي

    النشر : السبت 09 تشرين الثاني 2024
    اخر قراءة : منذ ثانية

    فوائد البطاطا الحلوة لصحة العظام والبشرة

    النشر : الخميس 05 آذار 2020
    اخر قراءة : منذ ثانية

    لماذا انتشر الشعور بالإرهاق البدني والنفسي بيننا كثيرا؟

    النشر : الأربعاء 09 تشرين الثاني 2016
    اخر قراءة : منذ ثانية

    دور الشباب في تثبيت المبادىء والقيم

    النشر : الأثنين 02 كانون الأول 2019
    اخر قراءة : منذ ثانيتين

    ماهو مفهوم الخجل.. وكيف نواجهه؟

    النشر : السبت 21 تشرين الاول 2023
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    هل تصدق أنَّ للعواصف الرملية ايجابيات؟

    النشر : الأحد 15 آذار 2020
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3768 مشاهدات

    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟

    • 465 مشاهدات

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا

    • 377 مشاهدات

    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك

    • 364 مشاهدات

    7 نساء يشاركن نصائحهن للتعامل مع أعراض انقطاع الطمث

    • 320 مشاهدات

    البهجة؟ لا تبحث عنها… إنها تحت الوسادة

    • 310 مشاهدات

    قارئة تُشعل شمعة الأمل في ظلام الجهل .. حوار مع القارئة مريم العيساوي

    • 3768 مشاهدات

    يوم الكتاب العالمي: إشعال شموس المعرفة بين الأجيال وبناء جسور الحضارات

    • 1349 مشاهدات

    من كربلاء إلى النجوم... طفل السبع سنوات يخطف المركز الأول مناصفة في الحساب الذهني ببراءة عبقرية

    • 1330 مشاهدات

    جعفر الصادق: استشهاد نور العلم في وجه الظلام

    • 1202 مشاهدات

    حوار مع حسين المعموري: "التعايش السلمي رسالة شبابية.. والخطابة سلاحنا لبناء مجتمع واع"

    • 880 مشاهدات

    إنتاج الرقائق.. بترول الحرب العالمية الثالثة

    • 853 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    طموح الذات واحتياجات الأبناء، أيهما أهم؟
    • منذ 15 ساعة
    حين يُولد القلب في ساحة حرب
    • منذ 15 ساعة
    بسكويت من الشوكولاتة الداكنة قد يساعد على فقدان الوزن
    • منذ 15 ساعة
    من كوخ العجوز إلى عرش الرّحمن
    • الثلاثاء 20 آيار 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة