في قلب مدينة كربلاء، تتألق الطالبة هاجر حسين كنموذج ملهم للشابة العراقية التي تجمع بين التميز الأكاديمي والشغف الثقافي. تخرجت هاجر من قسم الطب الحياتي بكلية الهندسة في جامعة وارث الأنبياء (عليه السلام)، وقد أثبتت أن القراءة ليست مجرد هواية، بل هي مفتاح للنجاح والتغيير. فوزها ضمن الثلاثة الأوائل على محافظة كربلاء في مسابقة "أمة تقرأ" الوطنية لم يكن مجرد إنجاز شخصي، بل كان رسالة قوية تؤكد قدرة الشباب العراقي على بناء المستقبل بالفكر والثقافة.
رحلة إنجاز وثقة
بدأت هاجر رحلتها مع القراءة في عمر 12 عامًا، وشغفها بالكتب كان دافعها الأساسي للمشاركة في مسابقة "أمة تقرأ". تقول هاجر: "شغفي بالقراءة كوسيلة للنجاة من الواقع المرير الذي نعيشه يوميًا" دفعها للمشاركة، مؤكدة أن المسابقة كانت "طريقًا معبدًا للوصول إلى أكبر فئة من الشباب وإيصال رسالة إنسانية بأننا أمة تقرأ". ثقتها بنفسها وإلمامها بالقراءة والكتابة جعلاها تتوقع الفوز، وهي الثقة التي تقول عنها: "توقعت هذا الإنجاز لسبب مهم وهو إلمامي بالقراءة والكتابة معًا، إضافة لكوني بدأت برحلة القراءة بعمر 12 عامًا ولدي رصيد معرفي كافٍ ليجعلني الأولى على الجامعة".
تنوع معرفي وعمق فكري
تؤمن هاجر بأن القارئ الحقيقي يجب أن ينهل من كل العلوم، وتطبيقًا لمقولة "تعرف شيئًا عن كل شيء وكل شيء عن شيء"، تنوعت قراءاتها على مر السنين. ففي المراحل الدراسية الأولى، كانت تميل إلى الروايات التاريخية والبوليسية والتنمية البشرية. ومع دخولها الجامعة، اتجهت نحو الكتب الفكرية والفيزيائية لتخصصها في هندسة الطب الحياتي. وفي السنتين الأخيرتين، تركزت اهتماماتها على علم النفس والسيرة الذاتية والذكاء الاصطناعي، مما يعكس نضجًا فكريًا وتوسعًا في مداركها.
تحديات واقع القراءة في العراق
تصف هاجر واقع القراءة في العراق بأنه "في مرحلة متذبذبة وتشير إلى بعض القلق"، وتعزو ذلك إلى عدة عوامل مثل عدم استقرار العائلة العراقية، وسوء الخدمات، والنظام التعليمي الذي "يعمل على جعل التلاميذ يكرهون المدرسة أكثر مما يحبونها"، بالإضافة إلى الانفتاح التكنولوجي غير المنظم. وتقترح هاجر حلولًا جريئة مثل "إضافة مادة إلى المناهج الجامعية أو الإعدادية تجبر الطالب على القراءة العامة" لتعزيز ثقافة القراءة. وتشدد على أن أبرز التحديات التي واجهتها هي "عدم تقدير الأفكار التي يتم طرحها لإيجاد الحلول للكثير من المشاكل"، معتبرة أن "العراق يواجه أزمة قيادات، والقائد الفعلي لابد أن يكون قارئًا".
توفيق بين العلم والأدب
على الرغم من صعوبة تخصصها في هندسة الطب الحياتي، والذي يجمع بين الهندسة والطب، إلا أن هاجر تمكنت من التوفيق بين دراستها وشغفها بالقراءة والكتابة. فعملها بدوام جزئي في جمعية المودة والازدهار يتطلب منها قراءة كتابين شهريًا على الأقل وكتابة ملخصات لهما. ترى هاجر القراءة كـ"مكافأة بعد ضخ علمي كبير على عقلي، فالكتب كانت أشبه بفاصل إعلاني بين المحاضرات والتقارير والمشاريع". وتؤكد على وجود نقاط التقاء بين التخصص العلمي الدقيق والاهتمام الإنساني بالأدب والثقافة، حيث أن "كل تخصص علمي حتى يتم تقديمه لابد من وجود أدوات وأهم أداة هي اللغة، وإتقان اللغة... تحتاج إلى إعداد وتدريب واطلاع وخزين لغوي رشيق، والقراءة هي مفتاح اللغة".
لهاجر رصيد في الكتابة الأدبية، فقد نشرت أول قصة لها بعنوان "إكسير الحياة" في عمر 17 عامًا، وتعمل حاليًا كمحررة في مجلات مرموقة تابعة للعتبتين العباسية والحسينية. وتؤكد على أهمية امتلاك المهارات اللغوية والتحريرية لطلاب التخصصات العلمية، لأنها "من المسلمات التي لا يجب التكاسل عن تعلمها في هذا العصر".
طموحات مستقبلية ورسالة ملهمة
تطمح هاجر بعد التخرج إلى إكمال دراساتها العليا للحصول على الماجستير والدكتوراه، فـ"لدي شغف في تدريس المواد العلمية المعقدة". كما تخطط لتأليف كتاب يجمع بين تخصصها العلمي ومهاراتها في الكتابة، لتبسيط الأجهزة والمعدات الطبية للطلبة.
توجه هاجر رسالة قوية وملهمة للفتيات والنساء بشكل عام، مؤكدة أن "القراءة ليست مجرد كلمات تم ترتيبها على الورق، إنما أسلوب حياة، مستشفى للعقول المتعبة، خزانة لترتيب عشوائية الأفكار، مفاتيح ذهبية للتميز في كل مجالات الحياة". وتختتم رسالتها بالتأكيد على المسؤولية المجتمعية الكبيرة التي تقع على عاتق كل امرأة في تكوين أجيال نموذجية، وأن "القراءة لا ترتبط بكون الشخص دارسًا أم لا، فهي متاحة للجميع وبشكل مجاني".
تظل هاجر حسين مثالًا ساطعًا على أن الحضارة تبدأ بكتاب، وأن المستقبل يُبنى بعقول تقرأ، وأيادٍ تعمل، وقلوب تؤمن بأن الإنجاز الحقيقي هو ذلك الذي يخدم الإنسان ويحيي تراث أمة كانت - وما زالت - "أمة تقرأ".
اضافةتعليق
التعليقات