لا تتحقق التزكية إلا بعد أن تنطلق من القلب والضمير وتتفاعل مع الشعور بحيثية مستمرة وحذر دائم وتوق من الرغائب والشهوات، والمطامع والمطامح فلابد أن تكون شعوراً في الضمير وحالة في الوجدان لتتهيأ النفوس لتلقي أسسها وتقريرها في الواقع لهذا ركز الإمام الباقر (عليه السلام) في الجانب النظري على أهم المقومات التي تدفع النفس للتزكية وهي:
أ - تحكيم العقل
ب - تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية
ج - استشعار الرقابة الإلهية
د ـ التوجه إلى اليوم الآخر
أ - تحكيم العقل:
أن الله تعالى خلق الإنسان مزودًا بعقل وشهوة، ومنحه معرفة سبل الهداية من خلال البينات والحقائق الثابتة، وهو مكلف باعداد القلب للتلقي والاستجابة والتطلع إلى أفق أعلى واهتمامات ارفع من الرغبات والشهوات الحسية ولهذا ركز الإمام على تحكيم العقل على جميع الرغبات والشهوات ليكون الانسان واعظ من نفسه يعينه على تزكية نفسه.
قال (عليه السلام): (من لم يجعل الله له من نفسه واعظاً، فإن مواعظ الناس لنتغني عنه شيئاً)1 وقال أيضاً: (من كان ظاهره أرجح من باطنه خف میزانه)2.
ب - تبعية الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية:
أن تكامل النفس لا يتم إلا من خلال التطابق بين الإرادة الإنسانية والارادة الإلهية وذلك باتباع المنهج الإلهي في الحياة، وهذا التطابق يحتاج إلى مجاهدة الهوى والهيمنة على الشهوات وتقييدها بقيود شرعية فان مجاهدة النفس تجعل الانسان مستعداً بالفعل لتلقي الفيض الإلهي لاكمال نفسه وتزكيتها على اساس المنهج الرباني للانسان في هذه الحياة، قال الإمام الباقر: (يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت غناه في قلبه ، وهمه في آخرته...)3.
ج - استشعار الرقابة الإلهية :
لا تتم التزكية إلّا باستشعار الرقابة الالهية في العقل والضمير والوجدان والاحساس بان الله تعالى محيط بالانسان يحصي عليه حركاته وسكناته ولهذا ركز الإمام الباقر (عليه السلام) على هذه الرقابة لتكون هي الدافع لاصلاح النفس وتزكيتها، ففي موعظته لجماعة من انصاره قال ويلك.. كلما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه واقدمت بجهلك عليه، فارتكبه كأنك لست بعين الله أو كأن الله ليس لك بالمرصاد..)4.
د ـ التوجه إلى اليوم الآخر :
أن التوجه إلى الحياة الأخرى الخالدة يمنع الانسان من الانحراف ويدفعه لتخليص النفس من ربقة الشهوات وظلمة المطامع وادناس الهوى وقد وجه الإمام (عليه السلام) الجماعة الصالحة إلى ذلك اليوم ليجعلوه نصب اعينهم ليكون حافزاً لهم لاصلاح النفس وتزكيتها، ومما جاء في موعظته لجماعة منهم قوله (عليه الإسلام): (.... يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكل مطيتك، واوهى همتك، فلله انت من طالب ومطلوب! ويا هاربا من النار ما احث مطيتك اليها وما اكسبك لما يوقعك فيها! يا ابن الأيام الثلاث: يومك الذي ولدت فيه، ويومك الذي تنزل فيه قبرك، ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك، فيا له من يوم عظيم! يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطاة مالي ارجى اجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة؟)5.
وبين الإمام (عليه السلام) أن الدنيا دار بلاء وامتحان وأن هذا الابتلاء يتناسب مع درجة ايمان الانسان فقال: (إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه)6.
اضافةتعليق
التعليقات