كان هناك صبي رأسه على شكل صندوق صغير، كان يدوّن كل ما يتعلمه على قصاصات صغيرة ويضعها داخل رأسه الى ان اصبح في العشرينات من العمر، وقارب صندوق رأسه على الامتلاء، كان فرحا جدا بما حققه وفخورا بنفسه، لم يتبق سوى القليل ويمتلئ الصندوق.
في طريقه الى البيت عبر الغابة واخذ يفكر بوالدته ويتخيل الابتسامة على شفتيها كم ستكون سعيدة لمعرفة ان صندوقه قد امتلأ، لم يستطع الانتظار لرؤية ردة فعلها واخذ يركض مسرعا وهو يضحك ويقفز في الأرجاء كالمهرج تسارعت خطوات قدمه على الارض اسرع واسرع واسرع واسرع فاسرع..
الى ان احس انه فقد السيطرة على قدميه، كان ينظر الى قدميه فرحا الى ان اصطدم بشجرة وفقد وعيه، وعندما استيقظ وجد غطاء صندوق رأسه قد كسر وتطايرت كل القصاصات في كل مكان الى ان اصبح الصندوق فارغا، بحث طويلا عن القصاصات ولكن لم يجد اي منها فبعضها تطاير في الهواء وبعضها معلق على الأغصان والبعض الأخر جرفته مياه الأنهار، شعر بحزن شديد، وبقي ايام حبيس غرفته.
وايام بكى فيها كثيرا وايام تجول فيها في الغابة دون ان يفعل شيئا، بعدها شعر كأن هناك حجرا على ظهره، مرت الايام والاسابيع والأشهر وازداد ثقل الحجر على ظهره لدرجة اصبح فيها لا يستطيع المشي الاّ وهو منحنيا نحو الأسفل وفي يوم من الأيام وبينما هو يمشي منحنيا في الغابة شاهد ظل رجل احدب بجانبه، فرح لذلك وقال لنفسه: لابد انه يعاني من نفس مرضي ربما يعرف طريقة لمساعدتي، رفع رأسه للأعلى ليشاهد رجلا عجوزا شعره ابيض ولحيته طويلة.
ابتسم الرجل العجوز ورفع حاجبيه الطويلة البيضاء التي تغطي عيناه لكي يرى الشاب بوضوح وقال: لا اصدق عيني ما الذي حدث لك ايها الشاب..
ثم أمسك بيد الشاب وقال لنجلس تحت الشجرة..
جلسا تحت الشجرة واخبره صديقنا مربع الرأس عما حدث له، بعد ان انتهى نظر اليه العجوز وقال: انت محظوظ يامربع الرأس فما حدث معك كان معجزة وليس حادثا مؤسفا، انت محظوظ حقا..
حكّ صديقنا صندوق رأسه مستغربا، وقال: كيف يعتبر ذلك من قبيل الحظ؟!
سأل الرجل العجوز: كم عمرك..
اجاب: انا في العشرين ياجدي..
ثم سأل: لو امتلئ الصندوق ماذا سيحدث حينها..
اجاب: بالطبع سأغلق الصندوق جيدا واعيش بسعادة..
ثم سأل الجد: وماذا لو تعلمت شيئا جديدا واكثر روعة من كل ماتعلمته لحد الان اين ستضعه؟!
اجاب: لن يكون له مكان في صندوق رأسي ياجدي لأنه ممتلئ واذا حاولت وضع القصاصات الجديدة سينفجر الغطاء ويتطاير كل شيء في الهواء..
نظر اليه الجد وقال: هل فهمت الآن؟!
مازال امامك على الاقل عشرين سنة اخرى لتعيشها وربما اكثر وامامك الكثير من الأشياء الاكثر روعة ودهشة لكي تتعلمها لاتندم على مافقدته واملأ الصندوق من جديد.. فرح الشاب بما سمعه وانطلق يدون مايتعلمه على القصاصات ويضعها في صندوق رأسه وبدأ الحمل يتساقط من على ظهره حتى أصبح افضل من سابق عهده،
هذه كانت النهاية.
الحكمة: ان لانبقى ننظر الى مااحرزناه من تقدم في الماضي ونكتفي به، طالما الانسان حي فليسعى نحو الجديد وليمضي قدما وليتذكر انه مصنوع من تراب النجوم فهو يمتلك قدرة هائلة وليس هنالك حيز كافي لكي يحتويها.
اضافةتعليق
التعليقات