اليوم، 29 ذي القعدة، نحيي الذكرى الأليمة لاستشهاد الإمام التاسع من أئمة أهل البيت، الإمام محمد بن علي الجواد (عليهما السلام). اغتالته أيادي الظلم العباسية بالسم عام 220 هـ، وهو في ريعان شبابه، لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره. على الرغم من عمره القصير، تُعد سيرته نموذجًا فريدًا للعطاء العلمي والتحدي السياسي، مما يجعلها منارةً مضيئة للشباب المسلم في مواجهة تحديات عصرنا.
استشهاد الإمام الجواد (ع): مؤامرة سياسية ودروس إنسانية:
اغتيال الإمام: سمٌ دسَّته يد الظلم
دُسَّ السم للإمام عبر زوجته "أم الفضل" بنت المأمون العباسي. جاء هذا الاغتيال بتدبير من الخليفة المعتصم، الذي كان يخشى من نفوذه الروحي وتأثيره العميق على الجماهير. خاصّةً بعد مواقفه الجريئة في مواجهة انحرافات السلطة، مثل حادثة تحديده لموضع قطع يد السارق وفق الرؤية الإسلامية الأصيلة، التي أحرجت فقهاء البلاط العباسي.
العلم الإلهي: معجزة الإمامة في الصبا:
إمامة مبكرة بعلم لدُني
تولى الإمام الجواد (ع) الإمامة وهو في السابعة من عمره بعد استشهاد أبيه الإمام الرضا (ع)، متحديًا بذلك المفاهيم التقليدية للقيادة التي تربطها بالسن.
لكنه أثبت خلال مناظراته مع كبار علماء عصره امتلاكه لعلمٍ إلهي لا يُدرك بالسنين. من أبرز تلك المناظرات، مناقشته مع يحيى بن أكثم حول تفاصيل حكم قتل الصيد في الإحرام، حيث فصَّل المسألة إلى 18 فرعًا وأجاب عنها جميعًا بدقة مذهلة، مما أذهل الحاضرين وأفحم خصومه.
مكانة الإمام الجواد (ع): رمز التقوى والقيادة الربانية:
ألقابٌ تعكس شخصيته:
لُقب الإمام محمد بن علي بـ"الجواد" لكرمه وسخائه الذي لا ينضب، و"التقي" لورعه الشديد وتقواه، و"ابن الرضا" لارتباطه الوثيق بأبيه الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (ع). وصفه الإمام الرضا (ع) نفسه بأنه: "شبيه موسى فالق البحار، وعيسى المُعجز"، وهي شهادة عظيمة على مكانته الرفيعة.
نصائح للشباب المسلم من سيرة الإمام الجواد (ع):
١- اغتنم شبابك: كما أوصى النبي (ص): «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك». الإمام الجواد خير مثال على استثمار العمر القصير في العطاء الفكري والروحي، فقد ترك إرثًا علميًا ضخمًا رغم وفاته في الخامسة والعشرين من عمره. اغتنموا أوقاتكم وطاقاتكم في التعلم والعمل الصالح.
٢- العلم والعمل: طالب الإمام شيعته بالتمسك بالعلم النافع والعمل به. هذا ما يتجلى في توجيهاته لوكيله نوح بن دراج، الذي أصبح قاضي الكوفة بفضل علمه وعمله. اطلبوا العلم وطبقوه في حياتكم.
٣- واجه التحديات بثبات: صمود الإمام أمام مؤامرات السلطة درسٌ عظيم في الثبات على المبادئ، كما في رفضه الانخراط في بلاط المعتصم رغم الضغوط. لا تتخلوا عن مبادئكم وقيمكم مهما كانت التحديات.
٤- التقوى والورع: لقبه "التقي" يذكِّر الشباب بأهمية مراقبة الله في السر والعلن، وعدم الانجراف وراء الشهوات والمغريات. اجعلوا التقوى رفيق دربكم.
٥- الاستعداد للآخرة: قوله تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المنافقون:10]، يعكس سيرة الإمام الذي عاش مستعدًا للقاء الله. تذكروا أن الدنيا دار ممر، والآخرة هي دار القرار.
ختاما: الإمام الجواد (ع) ليس مجرد رمز تاريخي، بل هو مشعلٌ يضيء درب الشباب نحو الجهاد العلمي والأخلاقي. في ذكرى استشهاده، نستلهم من عطائه دفاعًا عن الحق، ومن مظلوميته صبرًا على الابتلاء، ومن علمه سعيًا نحو المعرفة التي تتحرر من قيود الجهل والتبعية. لنجعل من سيرته قدوة لنا في حياتنا.
اضافةتعليق
التعليقات