خطوات قليلة فصلتني عن محبوب سماوي، فتسارعن بنات عيوني على الوجنات متلاحمات وقلبي لم يعد يلاحق شهيق العشق ولازفير الشوق لصرح الفداء وظل اخيه وحامل لواءه سيدي ابا الفضل من لاترد الحاجات عنده وكأن يوم زيارته عيد فنحن قوم تعددت اعيادهم فلا حصر لها ببركات من الله اهدانا اياها ووضع فينا محبة خالصة نقية لاشخاص ملائكية من عنده ليكون كل من فيهم صرح علمٍ وخُلق وقدوة كلما مددنا يداً عادت محملة ببركات لامعدودة، شاكرين الله عز وجل عندهم مستنشقين عبير الايمان يفوح من مراقدهم ويحتضن ارواحنا. وها هو يقترب يوم مولد قمر الهاشميين فنستبشر بعزيز قلوبنا الذي أشرقت الدنيا يوم ولد وسرت موجات من الفرح والسرور بين أفراد الأسرة العلوية ، بقدوم قمرهم المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره ، وأضاف إلى الهاشميين مجداً خالداً وذكراً ندياً عطراً، فحينما بُشر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا المولود المبارك سارع إلى الدار فتناوله ، وأوسعه تقبيلاً ، ليكون أوّل صوت قد اخترق سمعه صوت أبيه رائد الإيمان والتقوى في الأرض ، وأنشودة ذلك الصوت الناطق بالشهادتين في أعماق أبي الفضل ، وانطبعت في دخائل ذاته ، حتى صارت من أبرز عناصره ، فتبنى الدعوة إليها في مستقبل حياته.
قبلة المقاومة في كلمات المعصومين
من منابع الشموخ والسمو والعظمة شخصية صاغتها عقيدة السماء ونهج الأنبياء والأوصياء والأئمة المعصومين الهداة وأهل بيتهم الأباة (عليهم السلام) أجمعين شامخة مرفوعة الرأس يشهدها التأريخ ويستشهد بها محققة عزة وكرامة، تلك الشخصية التي كانت تزمجر في وجهه الكافرين زمجرة الأسد الباسل ، وتزأر على مزاعمهم وأباطيلهم زئير الليث الغضبان ، وترمي شباكهم وخداعهم بشرر أنفاسها الغاضبة رمي البركان، شخصية قد قال الاِمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : "رحم الله عمّي العباس ، فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه ، حتى قُطعت يداه ، فأبدله الله عزوجل بجناحين ، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة "، فمن منبر الامامة ننظر لتلك الشخصية التي تركـت بصـمة واضحة على مسيرة الاسـلام بجهـاده وعلومـه ومعارفـه وبكل الاطر الفكرية والعلمية والاجتماعية التـي تبناهـا. على الرغم من شهادته في شبابه الا انه استطاع ان يكـون شاخصاً مميزاً، وقامة عالية ينحني لها التاريخ اجلالاً، ليكون رمزا لنا نستذكر فيه كيف اتخذ الأباة والمضحين منهاجاً في طريق كفاحهم الطويل والمرير مع الطغاة والحكام الفاسدين هنا وهناك وقدموا الغالي والنفيس من أجل حرية الإنسان ورفض إستعبادهم وهذا من شيم فئة تعلق الايمان بقلبها فسارت على نهج الانقياء امثال أبا الفضل رمز البطولة والتضحية والفداء وقدوة النصر والاقدام والنجدة والولاء ومعجزة الامام علي عليه السلام لنصرة وإثبات الحق الحسيني الإلهي ، ومجمعاً للفضائل، وملاذاً للخصال الحسنة الذي امتزجت فيه قوة الروح وقوة الجسد، وأضيفت إليهما النخوة الهاشمية، والشجاعة الحيدرية، والإيمان الحسيني، والأخوة الصادقة ، والطاعة والولاء، والعزة والكرامة، والحرية والرفعة فهو ابن خير القوم وأولهم ايماناً وسيد الوصيين وأشجعهم يقيناً وبصيرة.
حيث قال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام بحقه: "كان عمّي العبّاس بن علي (عليه السلام) نافذ البصيرة ، صُلب الاِيمان ، جاهد مع أخيه الحسين ، وأبلى بلاءً حسناً ، ومضى شهيداً"، ليكون قمر بني هاشم هو الصرح العظيم والقدوة للفدائيين الذي يرون في دين الله ملجأ حق يرمون انفسهم فيه غير آبهين بما تنطق الطغاة من عبث فنور الله أُرسل لهم سابقاً وامتد على طول السنين صراحا شامخا كلما ضعفت ارادتهم وقلت حيلتهم وارتخت يداهم استذكروا تلك الكفين اللتين هزمتا جيشاً كاملاً وتخلدتا عبر التأريخ بايمان وعقيدة صاحبهم، فصدق الشاعر حين قال فيه:
يا ذائداً قد أبهَرَ الأفلاكا
عبَّاسُ ما بَرِحَ الخُلُودُ لِواكا
يا شِبْلَ حيدرةَ الفداءِ تحيةً
لكَ مِنْ قُلُوبٍ كرَّمَتْ ذِكراكا
ميلادُكَ الميمونُ هلَّ مُبارَكاً
للعاشقينَ مدى الزمانِ عُلاكا
فالسُؤْدَدُ الوضَّاءُ ينثُرُ عِطرَهُ
والمَكرُمَاتُ غدَتْ عبيرَ ثَراكا.
اضافةتعليق
التعليقات