في ذكرى المبعث النبوي الشريف نحاول أن نجيب على سؤال غالبا ما يُطرح، وهو؛ ماذا قدّم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) للعالم؟ وماذا أعطى للإنسان؟.
الإجابة عن هذا السؤال بحاجة إلى موسوعة ضخمة، كان الوالد (رحمه الله) [1] قبيل وفاته يؤكد على بعض العلماء أن يؤلفوا موسوعة أو كتاباً في فضل النبي (صلى الله عليه وآله) على الحضارة القائمة هذا اليوم، وماذا قدم النبي (صلى الله عليه وآله) للعالم ؟ وماذا أعطى للإنسان؟
_إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عرّف الإنسان بربه.
_إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عرّف الإنسان كيف يُسعد في هذه الحياة.
_إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عرّف الإنسان كيف يسعد في الآخرة.
وهذا بعض عطاء النبي الأعظم للبشرية. وسنشير هنا باختصار إلى النقطة الثانية:
كيف يسعد الانسان في حياته؟
النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت الذين هم إمتدادٌ له، عرّفوا الإنسان كيف يسعدُ في هذه الحياة الدنيا، إن قضية السعادة مهمة جداً، فنحن وجميع البشرية تبحث عن السعادة، لكن ما هو الطريق إلى السعادة؟
السعادة في الحياة الشخصية، والسعادة في الحياة العائلية، والسعادة في الحياة الإجتماعية، والسعادة في المجالات الاقتصادية، السعادة في المجالات السياسية... كيف وما هو الطريق؟
ان البشر يتخبّط حتى اليوم، والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بيّنَ أيها البشر: إذا أردتم السعادة في هذه الحياة فهذا هو الطريق... وهنالك قاعدة يذكرها الحكماء يقولون: (تُعرف الأشياء بنتائجها)، ونحن إذا أردنا أن نعرف أن البشر إلى أين وصل في ظل هداية النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه الحياة، نذكر لكم بعض المقارنات العابرة، واليوم لدى أغلب الشباب مشكلة، فأي شاب تلقاه أو أغلبهم، وحتى أحياناً نرى بعض كبار السنّ ، يُقال له: هل أنت متزوج؟ يقول لا، تقول له: لماذا ، يقول: ليس عندي عمل، وليس عندي بيت أو محل كسب، كما ليس عندي مال، فكيف أتزوج؟.
نُقل أن بعض النساء اللاتي تزوجنّ ثم ذهبن الى العراق لم يتمّكن أن يعشن في غرفة واحدة، فقد تملكت الدولة كل شيء، كما لو ان كل شيء ملكها، فيما تعيش إمرأة في غرفة واحدة، وهو ما حصل كثيراً عند النساء، في تفصيل لا شأن ليّ به، وقد نُقلت لنا هذه القضية عندما كنا في مدينة مشهد وفي جوار الإمام الرضا (صلوات الله عليه).
ففي ظل العجز الموجود، إلا ان النبي (صلى الله عليه وآله) حلّ هذه القضية بقانون واحد أو بقانونين:
القانون الاول: الأرض لمن عمرها.
أنقل لكم هذه الرواية المذكورة في (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي [2] (رحمة الله عليه)، يقول النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (من غرس شجراً أو حفر وادياً لم يسبقه إليه أحد وأحيا أرضاً ميتةً فهي له)، هذان قانونان: الأرض لله، يقول النبي (صلى الله عليه وآله): (... ثم إنها لكم مني أيها المسلمون) [3]، إن هؤلاء الحكام غاصبون، لأن النبي ملّك هذه الأرض للمسلمين ، يعني أباحها لهم، بينما تأتي الدولة اليوم وتقول: لا يحق لشخص أن يبني، من يتمكن من البناء على مساحة ألف متر، فليَبنِ، يقولِ النبي: (لكَ قضاءً من الله ورسوله) [4] يعني هذا حكم، ولا يحق لشخص يعترض عليك، سواءً حاكماً كان أو محكوماً، فكيف أقول: هذه الأرض لي فيما يبقى الشباب المساكين في البيوت دون زواج، وتبقى النسوة في البيوت دون زواج، فلا بيت ولا دكان ولا عمل، (الأرض لله ولمن عمّرها) إنه قانون النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، بامكانك أن تبني على مساحة عشرة آلاف متر، أو حتى مئة ألف متر، فكلها لك، ولا يحق لأي شخص أن يعترض عليك من الناحية الشرعية.
القانون الثاني: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به) [5] .
هنالك نفط، وهو مثل نهر دجلة أو نهر الفرات، هل لشخص الحق أن يمنعك من نهر دجلة ونهر الفرات؟! أو هل يمكن تصور شخص يقف على نهر دجلة وبيده سيف ويقول: لن أدع انساناً يشرب من هذا الماء إلا بإذن مني!
النفط مثل نهر دجلة للمسلمين وللأمة، فلك أن تأخذ من النفط ما تريد، بشرط أن لا يكون فيه تجاوز على حقوق الآخرين.
ذكر الوالد (رحمه الله) تفصيل هذا الموضوع في كتاب فقه الإقتصاد، (وأن لا يكون فيه تعدٍّ على حق الأجيال القادمة) أي شيء كان، مثل المعادن الموجودة في العراق، فاذا اكتُشف زئبق في مكان ما، فلك أن تأخذ ما تريد مع هذين الشرطين، فهل يبقى بعد ذلك فقير؟ وهل تبقى أرض غير معمّرة؟
وعندما تتطلعون من السيارة الى الطرق الخارجية، كم تشاهدون من الأراضي اليباب، إنها جريمة ترتكبها حكوماتنا، فالمطر يأتي ليسقي الزرع في هذه الأراضي، لكنه عندما لا يوجد زرع، يذهب سدى في الأراضي المتصحرة، لاحظوا هذه المقارنات، هنالك مؤرخ مسيحي يُقال له جرجي زيدان، وهو كاتب معروف، ومؤلف كتاب (تاريخ التمدن الإسلامي)، يقول: في عهدنا – أي ربما قبل خمسين عاماً- كانت الأراضي المزروعة في مصر ستة ملايين فدان، وكما في بعض الإحصائيات فان كل مساحة الأرض المزروعة في مصر هي ستة وثلاثين مليون فدان، فمن ستة وثلاثين مليون فدان في عهد جرجي زيدان، كان فقط ستة ملايين فدان مزروعة بسبب القوانين الوضعية الجائرة والظالمة، وإلا كيف يحتاج المسلمون للأجانب؟! إن الحاجة تتمثل في هذه القوانين، ثم بعد ذلك جاءت حكومة وأنشأت - حسب هذا المطلب الخارجي- السد العالي، وهذا أقوله أنا، فقد أحدثوا ضجة كبيرة حول السد العالي المعروف، ربما كبار السنّ يتذكرون كيف كان الحديث عن هذا الإنجاز التاريخي والقومي و.... وبعد إنشاء السد العالي وصلت الأراضي المزروعة في مصر إلى سبعة ملايين وثمانمئة ألف فدان، بمعنى إن مليوني فدان زُرعت على أثر السد العالي فقط.
لاحظوا ما يقوله جرجي زيدان يقول: في القرن الرابع الهجري، يعني قبل ألف عام تقريباً، كانت الأراضي المزروعة في مصر ثلاثين مليون فدان، وذلك في فترة لم تكن هذه الوسائل الحديثة، فقد كان البشر يعيش بوسائله البدائية، ولكن في ظل قانون النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان من ستة وثلاثين مليون فدان في مصر، ثلاثين مليون فدان مزروعة، ثم انخفضت النسبة إلى ست ملايين وثمانمئة ألف.
يقول الوالد: ليس عندنا في الأدعية (اللهم زوّج كل أعزب)، لأنه ليس عندنا مشكلة العزوبة أو العنوسة في الإسلام، فالمرأة موجودة والرجل موجود، والأرض موجودة، اذهب وابن غرفة بيدك، ثم اذهب وأعمل في أي عمل تحب، فهذا هو قانون النبي (صلى الله عليه وآله).
جرجي زيدان - هذا مثال آخر- ينقل أن السدود التي كانت على نهر دجلة في العراق تبلغ حوالي أربعين سدّاً، وكم نهراً يوجد اليوم في البصرة؟ لنقل عشرة أو عشرون، ينقل المؤرخون ان الأنهار التي كانت في البصرة والتي تسير فيها القوارب، وليست الأنهر الصغيرة، كانت تبلغ إثنا عشر ألف نهرا في البصرة، وذلك في العهد الإسلامي. فأي شخص كان بامكانه أن يحفر نهراً، وهذا قانون النبي (صلى الله عليه وآله)، أو أن تشق قناة، بينما هنالك من يأتي ويقنن الهواء، فيقول الهواء ملكي ولا حق لكم أن تتنفسوا بالمقدار الذي تريدون ، إنما بمقدار قليل.
إذن، النفط مثل الهواء والأرض ومثل الهواء، وكذلك المعادن مثل الهواء والغابات مثل الهواء، فأي شيء نحب، خلقه الله للبشر، بينما لاحظوا اليوم أغلب أراضي بلادنا قاحلة وجافة، ونكون محتاجين إلى المستعمرين، فهم أنفسهم متورطون بقوانينهم، لأنهم ليس عندهم في البلاد الغربية هذه القوانين، فهل يوجد في العالم أو في قانون دولة ما قانون النبي الأعظم؟
لقد علّم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) الإنسان كيف يسعد في هذه الدنيا. رأيت هذه الإحصائية مؤخراً، فكم فقيراً يوجد في العالم؟ أحد الأخوة وهو من المهتمّين بالأعمال الخيرية، كان في رحلة إلى أفريقيا وقد نقل لي، قائلاً: رأيت شخصاً مضطرباً جداً، فسألت لماذا هذا مضطرب؟ قالوا لأن زوجته حالياً مشرفة على الموت وهي في لحظات الاحتضار، لماذا؟ لأنها تمرّضت وعلاجها وهو إبرة أو دواء من هذا القبيل، ولم يكن متوفراً، واعتقد أنه قال لي أن ثمن الدواء أو الأبرة هو (دينار كويتي)، أو حوالي (ثلاثة آلاف تومان) ايراني –مثلاً- أو حوالي (ستة آلاف دينار) عراقي.
وفي بعض الإحصائات هنالك مئتا مليون انسان يعانون من سوء التغذية، وهو هذا البشر الذي كرّمه الله. وهذا يحصل في العالم المتقدم، فالذين يقولون عندنا تقدم وحضارة، في بريطانيا هنالك إثنا عشر مليون فقير، و في أمريكا التي تدعي أنها رائدة الحضارة البشرية، في عام 1999 عقد مؤتمر قومي، أي خاص بأمريكا، تحت عنوان (مؤتمر الجوع)، في ذلك المؤتمر صرّح وزير الزراعة الأمريكي بأن في أمريكا هناك واحد من كل عشرة أمريكين يعانون الجوع، بمعنى عشر الشعب الأمريكي يعاني من الجوع في ظل هذه القوانين البشرية الظالمة، إنها نسبة عالية جداً، فإذا فرضنا أن الشعب الأمريكي مثلاً ثلاثمئة مليون يعني حوالي ثلاثين مليون انسان جائع في أمريكا، والذين ذهبوا إلى أمريكا رأوا كثيراً من الناس يعيشون في الشوارع لعدم امتلاكهم البيت و المأوى، أو ليس عندهم المال، والبعض يشكلون عصابات إجرامية، يقول من كان هناك: بعض المناطق لا نتمكن من الذهاب اليها في الليل؛ لأنهم ربما يختطفوننا أو يقتلوننا.
ولكن في ظل حكومة الإسلام وفي ظل حكومة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، حيث يقول الإمام: (ولعل هناك بالحجاز أو اليمامة) [6]، وليس يمكن في بالكوفة، إنما في المناطق البعيدة والفقيرة، يمكن يوجد انسان فقير، يمكن و لعل...
وتلك القضية المعروفة، عندما رأى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) انساناً يتكفف فقال: ما هذا ولم يقل من هذا؟ أي ما هذه الظاهرة؟ ولماذا يوجد مستجدٍ في دولة أمير المؤمنين؟ فقيل إنه مسيحي كبر وشاخ واستغنى عنه أهله الذين كان يخدمهم، فقال ما أنصفتموه، إستعملتموه حتى إذا كبر تركتموه، أجروا له راتباً من بيت المال، بينما لاحظوا عشر الشعب الأمريكي جائع بتصريح وزير الزراعة، ولكن في دولة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) من غير المعلوم أن يكون هنالك فقير (ولعل).
[1] - المجدد الثاني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي ( 1347 – 1422 هـ ) .
[2] - شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ( 460 هـ ) .
[3] - تذكرة الفقهاء ( ط.ق) : العلامة الحلي : ج2 ، ص400 .
[4] - راجع : تهذيب الاحكام : الشيخ الطوسي : ج 6، ص 378 .
[5] - تذكرة الفقهاء (ط.ق) : العلامة الحلي : ج 2 ، ص 403 .
[6] - نهج البلاغة : ج 3 ، ص 72 . من كتاب له (ع) الى عثمان بن حنيف .
اضافةتعليق
التعليقات