إبتعد عن الخلق ليقترب إلى الخالق، وسط ذلك الجبل القاسي إنحنى لعظمة معبوده كي يغرد العالم أجمل ألحان العبودية والإخلاص عندما كانت القلوب على وشك السقوط في هاوية القسوة إنجلى نوره لينقذهم من الجهالة.
في اليوم السابع والعشرين من رجب أنعم الباري عزوجل على البشرية بمبعث نبيه الكريم، وأرسله إلى الخلق لينذر أم القرى ومن حولها ويهديهم إلى صراط النور والهدى.
قال امير الكلام علي (ع) في مبعث رسول الله (ص) في نهج البلاغة: بعثه بالنور المضيء والبرهان الجلي والمنهاج البادي والكتاب الهادي، أسرته خير أسرة وشجرته خير شجرة أغصانها معتدلة وثمارها متهدلة، مولده بمكة وهجرته بطيبة علا بها ذكره وامتد بها صوته، أرسله بحجة كافية وموعظة شافية ودعوة متلاقية، أظهر به الشرايع المجهولة وقمع به البدع المدخولة وبين به الأحكام المفضولة، فمن يبتغ غير الإسلام دينا تتحقق شقوته وتنفصم عروته وتعظم كبوته ويكن ما به الى الحزن الطويل والعذاب الوبيل.
لم يندهش أهل ذلك الزمان من حسن خلقه وتأثيره الكبير على المجتمع بل إلى هذه الحظة نشاهد العالم يتكلم عن شخصه العظيم كما قال" تولستوي": "أنه خلّص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم. وأن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة".
وأعجب "لامارتين" شاعر فرنسا الشهير بـ"محمد" (ص) فقال: "من ذا الذي يجرؤ من الناحية البشرية على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟ ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه عند النظر إلى جميع المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان؟! فأعظم حب في حياتي هو أنني درست حياة محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود".
آرنولد توينبي "المؤرخ البريطاني الكبير" قال: "الذين يريدون أن يدرسوا السيرة النبوية سيجدون أمامهم من الأسفار ما لا يتوافر مثله للباحثين في حياة أي نبي من أنبياء الله الكرام.... إنني أدعو العالم إلي الأخذ بمبدأ الإخاء والمساواة الإسلامي، فعقيدة التوحيد التي جاء بها الإسلام هي أروع الأمثلة على فكرة توحيد العالم، وأن في بقاء الإسلام أملاً للعالم كله".
من المؤكد تسخير القلوب والتأثير على النفوس لم يأتِ هباءاً أو على طبق من ذهب بل يقول ربنا: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، وامتاز الرسول صلى الله عليه واله بشهادة الباري عزوجل على سمو أخلاقه و النزاهة في الشخصية الرفيعة (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، حيث انبثقت
علو شأن المحمدية من شخصه الكريم إذ إنه أصبح أسوة حسنة للناس كما عرفه الله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً).
ولكن الآن وللأسف الشديد هناك من ينسبون أنفسهم إلى هذا النبي العظيم وليس في نفوسهم صفة من صفاته المباركة، إنهم خزي وصمة عار لأمة محمد إذ إنه لم يكره أحدا على قول كلمة لا إله إلا الله، بل بأخلاقه جذب الناس إلى الفلاح والصلاح..
والمرء بالأخلاق يسمو ذكره وبها يفضل في الورى ويوقر.
إنه بعث رحمة للعالمين، فلنتعلم منه درس الرحمة والإنسانية، لنكن رحمة في حياتنا مع من حولنا وليس نقمة ...
اضافةتعليق
التعليقات