تعد دراسة "الحفاظ على صحة الدماغ من خلال التدخلات الحياتية لتقليل المخاطر"، أو "US POINTER"، أكبر تجربة سريرية عشوائية في الولايات المتحدة تهدف إلى فحص ما إذا كانت تغييرات نمط الحياة تحمي الوظائف الإدراكية لدى كبار السن.
وأوضحت الباحثة الرئيسية لورا بيكر، أستاذة علم الشيخوخة وطب المسنين والطب الباطني بكلية الطب في جامعة ويك فورست في وينستون-سالم، نورث كارولاينا: "هؤلاء أشخاص يتمتعون بصحة إدراكية جيدة تتراوح أعمارهم بين 60 و79 عامًا، وكي يشاركوا في الدراسة عليهم أن يكونوا غير نشطين بالكامل وعرضة لخطر الإصابة بالخرف جراء مشاكل صحية مثل ما قبل السكري، وما قبل فرط ضغط الدم".
شارك نحو نصف المشاركين في الدراسة، البالغ عددهم 2,111 شخصًا، في 38 جلسة جماعية منظمة على مدى عامين في أحياء محلية قرب شيكاغو، وهيوستن، ووينستون-سالم، وساكرامنتو في كاليفورنيا، وبروفيدنس في رود آيلاند.
وخلال كل جلسة، قدّم المدرب إرشادات حول كيفية ممارسة التمارين، وتناول الطعام بطريقة تعزّز صحة الدماغ، كما شرح أهمية التواصل الاجتماعي، واستخدام ألعاب تدريب الدماغ، وأساسيات صحة الدماغ.
وتولّى قائد الفريق مسؤولية متابعة تسجيل ضغط الدم وغيره من المؤشرات الحيوية. وأجرى طبيب فحوص جسدية وإدراكية لهم كل ستة أشهر.
وخلال ستة اجتماعات للفريق، تعلّم النصف الآخر من المشاركين في الدراسة عن صحة الدماغ، وتم تشجيعهم على اختيار تغييرات في نمط الحياة تناسب جداولهم الزمنية. كان هذا الفريق يعتمد على التوجيه الذاتي، من دون تدريب موجه نحو أهداف محددة. كما خضع هؤلاء المشاركون لفحوص بدنية ومعرفية كل ستة أشهر.
وعرضت نتائج الدراسة التي بلغت تكلفتها 50 مليون دولار ومُوّلت من قبل جمعية الزهايمر، في مؤتمر جمعية الزهايمر الدولي للعام 2025، في تورنتو، كما نُشرت في دورية JAMA.
قالت بيكر: "وجدنا أن الأشخاص في البرنامج المنظم بدوا وكأنهم يؤخرون التدهور المعرفي الطبيعي من سنة إلى نحو سنتين مقارنةً بالمجموعة التي اعتمدت على التوجيه الذاتي، أي الأشخاص الذين لم يتلقوا ذات مستوى الدعم. غير أن المجموعة التي اعتمدت على التوجيه الذاتي أظهرت أيضًا تحسنًا في درجاتهم المعرفية مع مرور الوقت".
كانت ممارسة التمارين التحدّي الأول. حصلت المجموعات على عضويات في منظمة YMCA، ودروس حول كيفية استخدام معدات الصالة الرياضية. قيل لهم أن يمارسوا التمارين الهوائية لرفع معدل ضربات القلب لمدة 30 دقيقة يوميًا، مع إضافة تمارين القوة والتمدد مرات عدة في الأسبوع.
وارتدى المشاركون في الدراسة أجهزة تتبع اللياقة التي راقبت نشاطهم.
بعد أربعة أسابيع، تم إعطاء الفرق تحديًا جديدًا تمثّل بالبدء في اتباع حمية "MIND" وهي اختصار للتدخل المتوسطي-داش من أجل تأخير التنكس العصبي. وتجمع هذه الحمية بين أفضل ما في حميتي "البحر الأبيض المتوسط" وبين قيود الملح في نظام داش، الذي يرمز إلى "الأساليب الغذائية لوقف ارتفاع ضغط الدم".
وقالت فيليس جونز، إحدى المشاركات: "أعطونا مخططًا نلصقه على الثلاجة يحتوي على أطعمة يجب الحد منها وأطعمة يُنصح بتناولها". وشرحت أنه كان عليهم تناول "التوت والخضار في معظم الأيام، ضمنًا الخضار الورقية الخضراء"، وكان عليهم تناول "ملعقتين كبيرتين من زيت الزيتون البكر الممتاز مرة واحدة يوميًا".
وشملت الأطعمة التي يجب الحد منها تلك المقلية، واللحوم المصنّعة، ومنتجات الألبان، والجبن، والزبدة. كما كان هناك قيود على الحلويات السكرية.
وأضافت جونز، التي تبلغ من العمر 66 عامًا : "لكن كان يُسمح لنا بتناول الحلوى أربع مرات في الأسبوع. وكان هذا رائعا لأنك لا تحرم نفسك تمامًا".
وتمثلت ركيزة أخرى من ركائز البرنامج في إلزام المشاركين في الدراسة بالتعرف على علاماتهم الحيوية.
فيما بعد جاء تدريب الدماغ، من خلال الاشتراك في تطبيق شهير على الإنترنت لتدريب القدرات المعرفية. وبينما يقول بعض العلماء إن فوائد مثل هذه البرامج العقلية على الإنترنت لم تثبت بعد، لفتت جونز إلى أنها استمتعت بالتحفيز الذهني.
وكان تحسين المهارات الاجتماعية جزءًا أساسيًا آخر من البرنامج. فقد كلف الباحثون الفرق بمهام مثل التحدث إلى الغرباء أو الخروج مع الأصدقاء.
مع تقدم الدراسة، قلّل الباحثون عدد المتابعات إلى مرتين في الشهر، ثم إلى مرة واحدة في الشهر، بحسب بيكر.
وقالت: "في البداية، كنا نمسك بأيديهم، لكن في النهاية، كانوا ينطلقون بأنفسهم. وكانت هذه هي الغاية، أن نجعلهم ينطلقون بأنفسهم".
ونظرًا لأن الباحثين راقبوا كل فريق عن كثب، يحتوي البحث على كم هائل من البيانات التي لم يتم استغلالها بعد.
ولفتت بيكر إلى أنه "في أي يوم، يمكنني الدخول إلى نظام البيانات عبر الإنترنت الخاص بنا، ورؤية مقدار التمارين التي يقوم بها الشخص، وما إذا كان قد سجل دخوله لتدريب الدماغ ذلك اليوم، وما هي آخر درجة له في نظام الحمية MIND، وما إذا كان قد حضر الاجتماع الأخير للفريق".
وأضافت: "لدينا أيضًا بيانات عن النوم، ومؤشرات حيوية في الدم، ومسحات دماغية ومتغيرات أخرى، التي ستوفر وضوحًا أكبر حول أي من أجزاء التدخل كانت الأكثر نجاحًا".
وأشارت بيكر إلى أن التعمق في البيانات أمر مهم، لأن الدراسة لديها قيود، مثل إمكانية وجود ظاهرة معروفة تسمى تأثير التمرين.
ومن المهم ملاحظة أن الدراسة لم تصمّم لتقديم التدخلات الحياتية الأكثر شمولًا اللازمة للأشخاص في المراحل المبكرة من مرض الزهايمر، وفق الدكتور دين أورنيش، أستاذ الطب في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو.
ونشر أورنيش في يونيو/ حزيران العام 2024، تجربة سريرية وجدت أن اتباع النظام النباتي الصارم، والتمارين اليومية، وتقنيات تقليل التوتر المنظمة، والتواصل الاجتماعي المتكرر يمكن أن يوقف في كثير من الأحيان، التدهور المعرفي أو حتى يحسن الإدراك لدى من يعانون بالفعل من مرض الزهايمر في مراحله المبكرة، وليس فقط لأولئك المعرضين لخطر الإصابة به.
وقال أورنيش، وهو مبتكر نظام أورنيش الغذائي وبرنامج الطب الحياتي: "تعد التجربة السريرية العشوائية US POINTER دراسة رائدة تُظهر أن التغييرات المعتدلة في نمط الحياة مثل النظام الغذائي، والتمارين، والتواصل الاجتماعي، وغيرها يمكن أن تحسن الإدراك لدى الأشخاص المعرضين لخطر الخرف.
وتابع أورنيش: "إنها تكمل نتائج تجربتنا السريرية العشوائية التي وجدت أن تغييرات نمط الحياة المكثفة والمتعددة غالبًا ما تحسن الإدراك لدى الأشخاص الذين تم تشخيصهم بالفعل بمرض الزهايمر في مراحله المبكرة".
وخلص إلى أنّ "دراسة US POINTER أظهرت أن تغييرات نمط الحياة المعتدلة قد تكون كافية للمساعدة على الوقاية منه". حسب cnn عربية
اضافةتعليق
التعليقات