الجمعة الرابعة عشر من شهر رمضان سنة ١٤٤١ من الهجرة، حيث الحرمان من إقامة مآتم أمير المؤمنين، كانت جمعة صعبة جداً.. أراقب السماء كعلي، هو ينتظر العلامات وأنا أنتظر فرجاً، لعلّنا نستطيع أن نصرخ -واعليا-كما كنا ودأبنا في كلّ عام، فكأن الدمعة التي لم تتوقف.. وكان نسجها كلمات من العشق الملتهب بالحسرة.
أصحرت بقلب ليس فيه سواكَ ياعلي..
أعطيت السماء وجهاً كلّه لك ياعلي..
رأيت أفول الشمس فصببت دمعي، مزجته بزعفران الغروب، ناجيتها رفقاً أرجوكِ لاتأفلي..
تريثي رويداً..
فمازلنا نحتضن أملاً أن يأتينا علي..
صلاتنا منقوصة لا تكتمل دون علي،
كبسملة فقدت باءها، فهل تبقى بسملة؟؟
أمهلينا من الوقت ثمالة، لعلّه يأتي..
لكنّها غربت وسحبت خيوط الزعفران، لملمتها نحو أفق بعيد.. تابعتها حتى فقدت الأثر..
قلتُ، لعلّها في ذاك الأفق إلى ندائي تستجيب وتجود علينا بعلي..
وبقيت أتلقى السماء بسوادها الموحش وعيوني ترقب عودة علي..
مازلت أترّقب في لهج الدعاء وسمت التضرع والبكاء، فاستطالت ساعاتي وامتدت، ولساني مازال يلهج واعليا..
حتى عادت ثانية من مشرقها، فناجيتها بصوت أشجاه البكاء..
ياشمس أنا مازلت أرتجي علياً
ألست أنتِ التي رُددتِ له مرتين، ليصلي؟!
فلمَ عدتِ إلينا ونحن مازلنا في صلاة العشق نفقد علياً.. وهل صلاة بدون علي تعدّ شيئاً؟؟
إن هي إلا مكاءً وتصدية، أو شبهة من هذه وتلك، فلمَ أشرقتِ علينا بلا علي..؟! وما نكون بلا علي؟
رحماكٓ ربي..
تحملنا مافات من الشهر الكريم على مضض، نلوذ بالصبر والتسليم..
أما القادم فلا، لا، ما على "علي" صبر ياسلمان!!
وتلك مقولة زهراء علي..
نحن ماخلقنا إلا لنصرخ واعليا..
أنا بدون تلك الصرخة لستُ أنا
أنا بدونها هباءة متناثرة بين أرض وسماء،
وهل لهباءة من أثر يلحظ؟؟
لكني بعلي أكون ترتيلة من الصلوات والصرخات تتلى ليلة أردى أشقى الأشقياء عليا..
فياشمس لم رددتِ دون علي؟؟
لو كسفتِ ماعنيتِ لي شيئا سوى بضع ركوعات من صلاة الآيات، لأنك أبيتِ أن تأتي بعلي،
عودي بعلي.. عودي سريعاً
وردي علينا صرخة واعليا
فمن حيث غربتِ وأشرقتِ
هناك نبوعات من الفرج..
مازلت أرتجيها..
يارباب الحسين..
خذي بيدي.. اعتبريني عيالاً لكِ..
ألستِ يارباب تلك المرأة الجليلة التي لم تفتأ تبكي حسيناً ليلاً ونهاراً حتى ماامتدّ بها عامها..
الآن عرفت كيف يسرع الموت إلى من يغمره البكاء طويلاً، عرفت لمَ عمركِ كان قصيراً، كعمر ورود الياسمين، علمتُ كيف يفني البكاء جسداً ويذيب عظاماً ويحيل المتعافي سقيماً!
يارباب الحسين.. قد بكيتِ الحسين بن علي طويلاً..
ونحن نبكي في -حجرنا- فقد أمير المؤمنين "عليا"..
أنت حجرتِ نفسك طوعاً تحت إيوان غير مسقوف، فكنت تخاطبين السماء حيناً بعد حين، وتشاطرين النجوم حزناً سرمدياً.. وتذرفين دمعاً أبدياً،
ونحن حُجرنا كرهاً وامتد بنا الحجر حتى قربت ليالي الأمير وليس لنا سوى مراقبة السماء وملاحقة أفلاكها لعلها تجود علينا بصرخة واعليا..
هل أعياكِ البكاء يارباب؟
لقد أعياني كثيراً، أحال قوّتي وهناً..
فصرتُ أهرب من الدمعة لأنّها تسقمني!
لازهداً فيها، فالدموع قوارب النجاة فقط لأن ليلة علي لم تحن بعد،
أخشى أن تأتي ليلة علي وليس في حلقي صرخة أو في بدني حراك!
يارباب حسين..
الآن بتُ استغرب كيف امهلكِ الموت عاماً بعد فقد الحسين!!
إنّه الموت أقرب إلى الباكي لوعة من ذلك بكثير وكثير..
لكن..
لعلّي ببكائي هذا أرتجي فرجاً..
أما أنتِ فما كنتِ ترتجين؟! ماكنت ترتجين من أمة قتلت وجذلت!!
فيا رباب حسين..
بحق دمعتكِ، جودي علينا بعلي
ماعلى "علي" صبر ياسلمان..
واحتسبينا أيتاماً، عيالاً في ساحة قدسكِ.
ارفعي كفيكِ..
ضعي أسماءنا في صفحتيهما..
قولي..
رباه..
هؤلاء لا يحتملون فقد علي
إنّهم علويون حتى النخاع..
فاجمع بينهم وبين علي بحولك وقوتك
وأنت العلي الأعلى..
نبوعات الفرج تأتي..
حتماً ستأتي..
مازلت أرتجيها..
اضافةتعليق
التعليقات