انطلقت التجربة السينمائية العراقية مطلع الخمسينيات، فإذا كانت السينما العراقية قد عرفت السينما التسجيلية منذ العشرينيات، فإنها بدأت في تلمس طريقها لإنتاج الفيلم الروائي الطويل المأخوذ من الأدب منتصف الخمسينيات.
ويعد فيلم "من المسؤول؟" والمنتج سنة 1956 للمخرج عبد الجبار ولي، أول فيلم روائي عراقي مأخوذ عن الأدب العراقي عن قصة للقاص العراقي الرائد إدمون صبري، ومع هذه الانطلاقة أسست مبكراً المعالجة الواقعية للفيلم الروائي العراقي المأخوذ عن الأدب لتجد رسوخها انطلاقاً من هذه البدايات مع الفيلم العراقي سنة 1957، الذي أخرجه كاميران حسني وعن قصة للكاتب إدمون صبري أيضاً.
يقول الناقد طاهر عبد مسلم: بدأت دولة الاستبداد بإحكام قبضتها على نوع وشكل الإنتاج السينمائي.. وكان أن اندفعت بقوة لتمجد "نضال البعث"، والتصقت هذه الصفة بفيلم "الأسوار" للمخرج محمد شكري جميل، المأخوذ عن رواية "القمر والأسوار" للكاتب الروائي العراقي المعروف عبد الرحمن مجيد الربيعي وذلك سنة 1979، وهو فيلم تميز بصنعته الفنية المميزة وبنائه الجمالي وتماسك سرده الفيلمي، لكن ما حسب على الفيلم هو إحالته المباشرة وغير المباشرة على البعث ومناضليه، بينما كانت الرواية في بنائها تكشف عن جانب من الحس الوطني للشرائح الوطنية العراقية المدافعة عن حقوق الوطن والمواطن.
وعلى الرغم أن الفيلم لم يطلق اسم البعث والبعثيين جهاراً، إلا أن ترويج الجهات الحكومية للفيلم لم يكن ليبتعد عن هدف ترويج أفكار و"تاريخ البعث والبعثيين" قبل انقلاب سنة 1968.
ومع مطلع الثمانينيات، تكون الجهود المبدعة في تأسيس "الرواية السينمائية"، وتأسيس العلاقة بين الرواية والفيلم في حدود تجربة السينما العراقية قد دخلت مأزقاً واضحاً، وذلك من خلال اشتعال نار الحرب بين العراق وإيران.. التي زجت الدولة بكل ثقلها وراء المتاريس وأنهار الدم، تلك الكارثة التي امتدت لسنوات طوال عجاف.
نقول.. إن هذه المرحلة قد دفعت الدولة إلى أن تضخ المال والإمكانات وراء إطلاق أبواق الدعاية للنظام وانتصاراته وأمجاده.. وتأسست خلال تلك المرحلة المؤسسة العامة للسينما والمسرح، ثم دائرة السينما والمسرح بعد تغيير الاسم.. واحتلت واحدة من أكثر البنايات تجهيزاً ومواصفات عالمية بطوابقها المتعددة المجهزة بالتقنيات، وبالطبع هذا قليل مما تستحقه السينما العراقية في تأسيس مدينة للسينما.
وكان باكورة أفلام الثمانينيات هو الفيلم الذي أخرجه المخرج المصري المعروف توفيق صالح بعنوان "الأيام الطويلة" المأخوذ عن رواية لعبد الأمير معلة، هذا الذي شغل مناصب رفيعة في الحكومة العراقية المهم أن هذا الفيلم كان بمنزلة سيرة ذاتية لصدام حسين وقد أغدقت الدولة على صنعه ملايين الدولارات ودعمته بكل الأجهزة والمعدات والكوادر..
أما ما تلا ذلك من أفلام روائية عراقية فقد اختلط فيها السم بالدسم، فهي أفلام استنفدت طاقات السينمائيين العراقيين ولهاثهم، للحفاظ على الحد الأدنى من الشكل السينمائي في ظل الجانب الدعائي الطاغي (البروباغاندا)، الذي يمجد الجندي العراقي الصنديد في مقابل الصراع مع ما كان يسمى إعلامياً "الفرس المجوس العنصريين"، وكانت تلك الأفلام تأتي غالباً بتوجيه مباشر مما عرف بـ"مكتب الإعلام القومي".
اضافةتعليق
التعليقات