هذه اول مرة اشعر بان هنالك نظرات مقدسة لا تنبع الاّ من عيون عاشت وجل الشهادة بهذا العمق، نظراته كانت تختلف، اردت ان اغوص فيها بكل ما اوتيت من ايمان ولكني ما تمكنت من نفسي، وخفت ان لا افهم هذه اللغة، وتخيب امالي، واموت بيني وبين نفسي الف مرةٍ ومرة.
كانت الأسئلة تحيط بي من كل جانب بينما دخلوا به الى الحرم الشريف ليطوفوا بجسده المقدس حول الضريح، حقيقة لا ادري هل الضريح كان يطوف بك ام انت الذي كنت تطوف به؟!.
دمعتي استقرت في زاوية عيني، اردت ان اذرف نفسي بدل الدمع، ولكن الصمت غلبني عندما صاحت والدتك: "يامولاي... تقبل منا هذا القرآن".
الآن عرفت لماذا كتبت في وصيتك "لا تغسلوني.. ادفنوني بدمائي ولباسي العكسري"، اظنك اردت ان تقابل الله بوسام الشرف، لأنك تعرف بأن دم الشهيد هو كرامته في الدنيا قبل الآخرة، حينها تساءلت مع نفسي كيف يا ترى ستكون صلاة الذي يتوضأ بدماء شهيد؟.
وبكيت.. بكيت كثيراً لدرجة اني لم شعر بما حدث حولي، لم تكن دموعي عليك، لأنك لست بحاجة لها بل بكيت على نفسي... بكيت واطلقت عنان صرختي الى السماء، علها تمزق اذن الليل ويعلم الله بأني احسدك على هذه الكرامة.. احسدك على هذه الدرجة التي نلتها يا رجل، اي عزة انت فيها لتجعلهم يحملون جسدك الطاهر ويطوفون بك حول ضريح سيد الشهداء بهذا الفخر!.
لا زال جوابك ينخر عاطفتي عندما وجدتك سارحاً فسألتك عن السبب فأجبتني:
_ الأرض باتت ضيقة علي، وانا اشتهي الحرية..
_ وكيف ستنال مبتغاك؟
_بالجهاد!
_ هل تريد ان تموت؟
_ لا، بل اريد مكاناً ثالثاً لأمثالي، للأشخاص الذين لم تريحهم الدنيا، ولم يستطاب لهم الموت.
لم اعِ وقتها بانك كنت تقصد الشهادة، حروفك كانت تحمل في باطنها الغازاً كثيرة لم اتمكن الى اليوم فك شفرتها.
سرحت في الفراغ مرة اخرى، او لربما لم يكن فراغاً، لربما كنت ترى اشياءً لم اتمكن انا من رؤيتها... ليتني تمكنت من سؤالك عنها!. حسناً، سأسألك عنها عندما ازورك في روضتك، اعرف جيداً بأنك ستبقى في انتظاري، وستسمع كل كلمة اقولها، وتفهمني اكثر من هؤلاء البشر، سأطرح عليك كل الأسئلة المزوعة في قلبي، وسأخبرك عن كل الاشياء التي افكر بها ولم يعيها الناس، لأني في احدى الايام سألتك:
- "هل تعلم اذا حدث لكَ شيء، سأبقى وحيدة في هذه الدنيا، لأن لا احد يفهم لغتي غيرك..
اجبتني بسخرية:
- "هل تعرفين بأنكِ انسانة تبحث عن مصالحها فقط!، كل ما يهمك هو لمن ستشكين همك بعد موتي".
بعدما غرقت عيني بالدموع استمريت انت بالضحك ثم قلت لي:
- " والله امزح معكِ، هل تعرفين باني دائماً ادعوا الله ان لا تجدي شخصاً يفهمك بعد موتي، كي لا تنقطعي عن زيارة قبري".
اجبتك حينها والدموع تتزحلق على وجنتي:
- لن تموت...
ابتسمت بعمق وقلت:
- صحيح لن اموت!، من يمشي على خطى الحسين لن يموت بل يبقى حياً عند ربه يرزق!، (هذا وعدُ سماوي).
شعرت بالطمأنينة بعدما سمعت منك تلك الجملة، كانت كبلسم سكنت الجراح الذي كان سيتركه فقدك في قلبي ربما سيتهمونني الناس بالجنون لأنني اكلم صخرة جامدة!، ولم يفقهوا بأن من في القبر هو حي، وسيبقى حياً الى الأبد، ليتهم تمعنوا في الآية عندما قال الله: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون".
نظرت الى عرشك_التابوت_ ورفعت رأسي الى السماء، وتمتمت مع نفسي: رباه.. لو قدمت لك باقة عمري مثل هذا الشهيد... هل ستتقبل مني ذلك؟!.
اضافةتعليق
التعليقات