يقوم التكافل الإجتماعي في الإسلام على أساس فكري وعقائدي نابع من صلب الشريعة الإسلامية، وفي تطبيقه استقرارا للدولة وازدهارها ومتى ما جعلت من أولوياتها توزيع الثروات بعدالة في المجتمع وانصاف الشريحة المحرومة في المجتمع وتوفير العيش الكريم للمواطن والحفاظ على حقوقه.. ازدهرت دولتها وأصبحت تواكب الأمم في تطورها وهو مايطلق عليه الضمان الإجتماعي في العصر الحديث.
وقد أشار القرآن الكريم في الكثير من المواضع إلى أهمية التكافل الاجتماعي للفرد والمجتمع فنجد فيه إشارة إلى إشارات كثيرة تدعو إلى وحدة المجتمع، وتصف المؤمنين بالجسد الواحد، والبنيان المرصوص إلذي يشد بعضه بعضا، كما دعت الأحاديث النبوية الشريفة إلى احترام حق الجار والضيف وابن السبيل، ومساعدة الفقراء.
وأن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له، وأن عليه واجبات للآخرين، وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهـم.
وتكون الدولة هي المسؤول الأول عن توفير تلك الحاجات بما يكفل العيش الكريم للفرد، ولم يكن
التكافل الاجتماعي في الإسلام معنياً بالمسلمون المنتمين إلى الأمة المسلمة فقط بل يشمل كل بني الإنسان على اختلاف مللهم واعتقاداتهم داخل ذلك المجتمع.
أما في العصر الحديث: استكملت الصورة الملحة والالتزام الجاد للضمان الاجتماعي بعد الحرب العالمية الثانية، نتيجة مطالبات الأفراد والجمعيات، ولشعور الحكومات أن الأمن والسلم الأهليين لا يمكن أن يتحققا ما لم يتم الاهتمام ومد يد العون إلى الأفراد الذين يحتاجون العون والمساعدة لمواجهة مصاعب الحياة، لذلك أصبح مصطلح الضمان الأجتماعي يحتل مكانة عالية في المجتمعات المعاصرة حتى صار هدفا تعنى به المنظمات العالمية وتسعى لتحقيقه، وتمخظت عدة مؤتمرات ومباحثات لتفعيل قانون الضمان الأجتماعي في العصر الحديث وفيها:
تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة في 10/12/1948م العديد من المواد التي تتحدث عن الضمان الاجتماعي، وأبرزها ما جاء في المادة/22/ التي نصت على أن: "لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية، وفي أن تحقق بواسطة المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتفق ونظم كل دولة ومواردها، الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والتربوية، التي لا غنى لكرامة الإنسان، وللنمو الحر لشخصيته.
فيما تبين أن القوانين والمبادىء التي جاء بها الدستور في القرآن الكريم سبقت تلك الدول والمنظمات العالمية بآلاف السنين، وتجلت نتائج عدالتها وكانت سبباً في إرساء قواعد الدولة الإسلامية، ونجاحها ابان حكم رسول الله صلى الله عليه وآله واستمر في العمل بها من بعده خلفاء الأرض الصالحين، الا من انقلب على عقبيه واغرته الحياة الدنيا وابتعد عن كتاب الله وسنته من الحكام الجائرين.
اهتم رسول الله صلى الله عليه وآله ببناء المجتمع المتكامل وحشد في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام لإخراج الصورة التي وصف بها الرسول "صلى الله عليه وآله" ذلك المجتمع بقوله صلى الله عليه وآله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى).
ولم يكن التكافل الاجتماعي في الإسلام مقصوداً على النفع المادي وإن كان ذلك ركناً أساسياً فيه، بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع أفراداً وجماعات، مادية كانت تلك الحاجة أو معنوية أو فكرية على أوسع مدى لهذه المفاهيم، فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق.
وقد اعترف الإسلام بالتفاوت بين الناس وأسس المجتمع على التكافل والرحمة وأرسى مبدأ العدالة في اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات.
تجسدت العدالة في حكم الأمام علي عليه السلام في عهده الدولي للزعيم مالك الأشتر واليه على مصر.
فمن المؤكد أن سعة علوم الإمام وشموليتها لكل علم تتطور به الحياة كانت مستمدة من النبي صلى الله عليه وآله فقد أفاض عليه علومه وغذاه بمكوناته الفكرية, فقال: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)) فهو باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله التي شملت جميع أنواع العلوم التي عرف الناس بعضها وجهلوا الكثير منها.
ومن بين العلوم التي انفرد بها الإمام وضعه لأنظمة الحكم والإدارة في عهده الدولي للزعيم مالك الاشتر واليه على مصر فقد بلغ من عظيم ما سنه الإمام في عهده أنه أمر الحكام أن يساووا بين جميع طبقات الشعب حتى في اللحظة والنظرة, وقد أقام بذلك أسمى صور العدالة التي ينشدها الإسلام، وعلى أي حال فإنا نعرض صوراً من الأنظمة المشرقة التي تملأ النفوس إكباراً.
فقد وضع فيه أدق الأنظمة وأهمها إصلاحاً لحياة الإنسان السياسية والاجتماعية, وعالج فيه بصورة موضوعية وشاملة جميع قضايا الحكم والإدارة في مجتمع لم يفقه أي بند من أنظمة الحكم والإدارة, وقد شرع الإمام أروع صور الحضارة وأبهى ألوان التطور والتقدم الفكري.
جاء في قوله لمالك الأشتر عند توليه الحكم على مصر:
((ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلادٍ قد جرت عليها دول قبلك من عدلٍ وجور وأن الناس ينظرون من أمرك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم: وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله تعالى على ألسن عباده, فاملك هواك, وشح بنفسك عما لا يحل لك فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت..)).
لم يكن الإمام بعيداً عن أمور رعيته أو محتجب عنهم رغم انشغاله في أيام حكومته حتى أنه يحين وقتاً للنظر في قضايا ذوي الحاجات, فكان يأخذ بحق الضعيف من القوي وبحق المظلوم من الظالم, وكذلك عهد إلى ولاته مثل ذلك, وقد أمر عليه السلام في عهده بتنحية الشرطة والجنود حتى يتكلم ذو الحاجة غير متعتع ولا خائف, وهذا منتهى العدل الذي أسسه رائد الحضارة والعدالة في الإسلام.
هذه هي المثل العليا في سياسة الإمام فقد أكد فيها على بسط العدل وإشاعته بين الناس, وأن يعتبر مالك نفسه مواطناً لا زعيماً فيرجو من الوالي تحقيق ما يصبو إليه من العدل وبما تسعد به الرعية, وأكد الإمام على ضرورة العمل الصالح, والسيطرة على نزعات النفس, ونشر الإنصاف بين الناس.
ويخلص أحد الباحثين إلى القول: "يمكن أن نقرر أن التكافل الاجتماعي هو: مسؤولية متبادلة بين الأفراد والجماعات أو الفئات في المجتمع لسد حاجة المحتاجين منهم، وللتناصر بينهم، ولإقامة المصالح المشتركة والدفاع عنها".
وأن تكون الدولة هي الراعي الأول لمشروع الضمان الأجتماعي وبمساعدة ومشاركة المنظمات المجتمعية وملزمة بتوفير وتلبية احتياج الشريحة المعدمة من أبنائها ليس مادياً فحسب بل في تطبيق الحقوق المجتمعية والتربوية والأقتصادية بما يضمن له العيش الكريم.
_______________________
اضافةتعليق
التعليقات