تتجلى شخصية الامام علي عليه السلام في لوحة انسانية رُسمت بصدق، فهي ليست رؤية المحكوم للحاكم المثالي فحسب انما رأي صادق بإنسان ارتقى ليجد الإسلام كواقع ملموس. فقد وصف احد الباحثين المعاصرين الامام علي عليه السلام قائلاً: (كان الإمام ملكاً في نفسه، متواضعاً في مجتمعه، سعيداً في معرفته، فقيراً في عيشه، بسيطاً في حياته، عظيماً في مدركاته، عزيزاً في عدله، قديساً في إيمانه، نبياً في تجرده).. وهذا الوصف لم يأتِ من فراغ بل انما انوجد في شخصيته عليه السلام.
يُمثل الإمام علي عليه السلام مدرسة بل جامعة كبيرة وراقية في تربية المجتمع فكان في مقدمة البرنامج التربوي الذي أخذ الإمام على عاتقه نشرهُ بين أفراد المجتمع هو المساواة في أطار المجتمعات الأنسانية إذ يقول في بيت شعرٍ نُسب اليه:
الناس من جهة التماثل أكفاءُ
أبوهم آدم وأما الأم حواءُ
فإن يكن في أصلهم شرفٌ
يُفاخرون به فالطين والماءُ..
فكان مبدأ المساواة هو المبدأ الأول الذي ارساه الإمام عليه السلام في أيام توليه امر المسلمين بل وحتى قبل ان يتولى امر الحكم على بلاد المسلمين، ولكي تكون تربية المجتمع صالحة وبناءة، اولى الإمام عليه السلام الأخلاق أهمية بالغة ويتضح ذلك من خلال العديد من اقواله فقد روي عنه عليه السلام أنه أوصى كميل وصايا منها:
يا كميل أن رسول الله صلى الله عليه وآله أدبه الله وهو عليه السلام أدبني، وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الآداب المكرمين .
يا كميل.. أحسن حلية المؤمن التواضع، وجماله التعفف، وشرفهُ، التفقه، وعزهُ ترك القال والقيل ..
وجاء في كتابه لأهل مصر.. وأني أوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون وعما أنتم اليه صائرون، فإن الله قال في كتابه ((كل نفس بما كسبت رهينه)) سورة المدثر، الى أن يقول عليه السلام وإن أستطعتم يا أهل مصر أن يصدق قولكم فعلكم، وسركم علانيتكم، ولا تخالف السنتكم أفعالكم فأفعلوا .
كما ورد عنه حديث تجتمع فيه كل خصال الأخلاق إذ يقول: "أتقوا الله في الخلوات فالشاهد هو الحاكم".. ففي هذا الحديث اشارة الى مراقبة النفس وتربية للروح.
وما هذا إلا فيض من غيض من درر الأمير عليه السلام في الأخلاق والتي بدورها تُربي المجتمع على أحسن ما يكون ..
وعدّ الإمام عليه السلام التواضع هو السلوك الامثل في الحياة وفي بناء مجتمع صالح كونه مستمد من سيرة الأنبياء فيقول عليه السلام: (فلو رخص الله في الكبر لأحد من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه وأوليائه، ولكنه سبحانه كره اليهم التكابر ورضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفروا في التراب وجوههم، وخفضوا اجنحتهم للمؤمنين).
كما عُد العلم عند الإمام علي عليه السلام من الجوانب المهمة التي تساعد التربية الصالحة للمجتمع كونه اداة لتطور ذلك المجتمع وتحصيل سعادته في الدنيا والآخرة، وان الإمام ينظر الى كل من الإنسان والإسلام كطاقات يجب أن تُستغل في العمل الصالح من أجل بناء كُلٍ من المجتمع والإنسان، فقد وردت العديد من الاقوال عن أهمية العلم وأهمية طلبه إذ قال: أعز العِز العلم لأن به معرفة المعتد والمعاش، وأذل الذل الجهل لأن صاحبه أصم أبكم أعمى حيران.
وعنه عليه السلام: جلوس ساعة عند العلماء احب الى الله من عبادة الف سنة، والنظر الى العالم احب الى الله من اعتكاف سنة في بيت الله، وزيارة العلماء أحب الى الله من سبعين طوافاً حول الكعبة.
وروي عنه عليه السلام: من كساه العلم ثوبه اختفى عن الناس عيبه .
وفي الختام نود ان نذكر أننا لم ننهل من بحر علي عليه السلام إلا قطرات قليلة، فالإمام روحي فداه بحرٌ مليء بالكنوز والدرر التي لا يوجد لها مثيل ابدا وكما قال الشاعر:
عقيمٌ دهركم عن مثل حيدر
فريداً في الورى لن يتكرر..
اضافةتعليق
التعليقات