تتجاوز ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) والرسالة العظيمة التي تضمنتها من غير البعد الفطري وعلاقته بالإنسان؛ فهي رسالة وعلاقة ربانيّة امتدت من يوم المباهلة حين توسّل النبي محمد "صلى الله عليه وآله" إلى الله بأهل بيته، في نصرة رسالته الإسلامية بعد أن حاجّهُ اليهود ونصارى نجران. ثم نزول آية الفصل المباركة لتنهي ذلك الخلاف حيث قال اللَّه تعالى: «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ».
منذ ذلك اليوم أُدخل الحسن والحسين في المباهلة. كما قال ابن علان المعتزلي: «يدل على أنهما مكلفين في تلك الحال لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين. ولو لم يكونا إمامين؛ لم يحتج الله بهما مع صغر سنهما على أعدائه. ولو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجد من يقوم مقامهم غيرهم لباهل بهم أو جمعهم معهم. فاقتصاره عليهم يبين فضلهم ونقص غيرهم. وقد قدمهم في الذكر على الأنفس ليبين عن لطف مكانهم وقرب منزلهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس معدون بها، وفيه دليل لا شيء أقوى منه، أنهم أفضل خلق الله».
وبيان مكانة (فاطمة، والحسن والحسين، وعلي) عليهم السلام هؤلاء أهل بيته وأنهم جزء لا يتجزء ولا يبتعد عن قيم ومبادئ الرسالة السماوية.
رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) كانت جهادية
إن رسالة النبي كانت جهادية النشأة حيث انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالرسالة في ساحة تحاصرها كلّ الأخطار، وكان يتحرك في الطريق التي يمكن أن تنتهي بالشهادة، وكان (ص) الشهيد الحي، فلقد كان يقول: "ما أوذِيَ نبيّ مثل ما أوذيت"، وقد استشهد الكثير من الصحابة معه من أهل بيته ومن غيرهم، لكنه كان صاحب رسالة، وكانت الرسالة كلّ همّه، وكان النّاس هم ساحة الرسالة. وكانت دعوته محفوفة بالمخاطر.
ولما كان الإمام الحسين (عليه السلام) امتداداً للرسول (صل الله عليه وآله) لقوله:
(حسين مني وأنا من حسين) فنهضته امتداد لنهضة النبي الأكرم الذي دعا الإنسانية إلى الخير العميم، ونمّى الأفكار والعقول بالعلوم والمعارف، وحررها من الجهل والخرافات كما دعا إلى بسط الأمن والرخاء بين جميع الشعوب فتتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الإثم والعدوان؛ فالإسلام محمّدي الحدوث وحسيني البقاء وكلّهم نور واحد، فأصبحوا بمنزلة الأصل في ديموميّة الرسالة المحمدية.
وتدل الروايات التي تنقلها لنا أمهات الكتب الحديثية والفرق الإسلامية في حق الإمام الحسين على أن هناك دوراً رسالياً ومقاماً إلهياً خاصاً أراده الله سبحانه وتعالى ورسوله الصادق الأمين لهذا الإمام الوتر لكي يكون ثأر الله القائم حتى يرث الأرض عباد الله الصالحون.
فجاء ربيب النبي ليكمل هذه الرسالة بعد محاولة طمسها من لدن بني أمية لاسيما على يد معاوية ثم ابنه يزيد الخليع. قال تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ – التوبة/32).
فقد كانت نهضة الحسين (عليه السلام) نذيراً لما بلغ إليه التحريف، وتنبيهاً إلى ضرورة العمل لإصلاح الوضع آنذاك والرجوع به إلى طابع الإسلام المحمدي الأصيل لا الإسلام الأموي المحرّف، فمذ أريق الدم الزكي على أديم كربلاء استيقظ الناس من غفلتهم ودبّ الوعي وارتفع لواء الإسلام خفاقاً.
فمنْ غير الحسين، وهو ربيب النبوة، يفكر بالإصلاح والتضحية؛ لإنقاذ الإسلام من محنته. فكانت صرخة الحسين عليه السلام امتدادً لصرخة جده ضد الأباطيل ودنيا الشرك.
فقد بينت مواقف الإمام الحسين، حقيقة ذلك، ففي رسالته إلى أشراف أهل الكوفة، يقول فيها: "أيّها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيّر عليه، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله".
ففي هذا النّصّ، أعطى للنّاس شروط الثورة على الحاكم الجائر، وبيّن ما هي صفة ذلك الحاكم التي ينبغي للمسلمين أن يثوروا عليه إذا تحقّقت في واقعهم، ومن الواجبات الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذان الواجبان من الواجبات المهمة والعظيمة في إلاسلام والأخلاق في وجوبهما. فكيف لربيب النبي الإمام المعصوم والمكلف الشرعي في زمانه أن لا يثور على الظلم وتخليص الناس بما لحق بهم من ظلم وجور في زمانه.
فالحاكم الجائر هو الذي يظلم الناس ولا يعطي أحداً حقّه ويستحلّ حرمُ الله، "مخالفاً لسنّة رسول الله (ص)" فيما شرّعه، فلا يتبع شريعة الإسلام، "يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان"، أي أنّه يتحرّك في سيرته مع الناس بمعصية الله وبالعدوان عليهم في كلّ قضاياهم، إذا كان الحاكم بهذه الصّورة، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) حسب هذه الرواية يقول: إنّه يجب على الأمّة أن تثور عليه، ومن لم يثُر عليه ولم يتحرّك في خطّ التغيير على مستوى المواجهة، فإنّ الله سوف يدخله مدخله.
لذا نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) نهضة فريدة من نوعها قد هزّت الشعوب والأمم، فكل الثورات التي جاءت بعدها في كل زمان ومكان قد تأثرت بها واقتبست من أنوارها وهي حركة جهادية امتدادً لثورة جده رسول اللَّه "صلى اللّه عليه وآله وسلم".
أهل البيت هم معيار لمعرفة الحقّ
في كتاب حلية الصالحين لآ ية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف). يبين أهمية التمسك بأهل البيت حيث جاء فيه: أن الأشخاص مهما عظموا لا يمكن أن يكونوا معياراً للحق أبداً، باستثناء أهل البيت سلام الله عليهم.
فأهل البيت هم العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ولا يشاركهم في ذلك غيرهم بالغاً مابلغ، لأنهم الأئمة المعصومون، وقد جعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) عدلاً للقرآن، ومعياراً لمعرفة الحق فالآخرون يعرضون على هذا المعيار، ليعرفوا إن كانوا على حقّ أم لا، أما أهل البيت صلوات الله عليهم فلا يعرضون على أحد؛ "لايقاس بآل محمّد من هذه الأمّة أحد".
فقد قال النبي "صلى اللَّه عليه وآله" في حديثه المتواتر: (تَركتُ فِيكم الثَّقلين، ما إن تمسَّكتُم بهما، لن تضلُّوا: كِتابَ اللهِ، وعِترتي أهلَ بيتي). وإن تغير زيد من الناس أو عمرو، أو رأى رجالاً انحرفوا وكانوا قبل ذلك صالحين قضوا أعمارهم في الصلاح ثمّ انحرفوا في آخر ساعة في حياتهم. فإن لم نتخذ أهل البيت سلام اللّه عليهم ملاكاً وعروة فلا ضامن لنا من الأستبدال، لأن عدوّنا متخصّص في إلا غراء وإلا غواء! ومتفرغ لنا ولاشغل له غير ذلك، وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في عروقه. ولكن اللَّه الحكيم قد جعل لنا أئمّة أهل البيت سلام اللَّه عليهم وأمرنا بالاعتصام والتقوّي بهم على الشيطان وتسويلاته. فلنتمسك بهم ونزن مواقفنا بمعاييرهم، لنضمن استقامتنا وثباتنا، ونؤوب إلى الحق والهدى أبداً.
من هذا نجد أن للإمام الحسين (عليه السلام) موقعاً رسالياً في صميم حركة الأنبياء والأولياء تميّز به عن سائر أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وجعل منه حقيقة خالدة وضميراً حياً لكل مظلوم، وصرخة حق تدوي في وجه الظالمين إلى يوم الدين فما أن ذكر الحسين ذكرت رسالة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فالنبي له منارات متعددّة، ومن مناراته أرض كربلاء.
اضافةتعليق
التعليقات