في كثير من الأحيان تنتاب الانسان حالة من البرود العاطفي اتجاه بعض الأمور، قد يكون متعلقا بها، وما يحتاجه لإشعال ذلك الفتيل نوع من الشغف والتعلق.
ففي حالة الكتابة مثلا.. هناك من الكتّاب من له علاقة عاطفية مع ما يكتب، أو مع الورقة والقلم، وقد تكون له علاقة عاطفية لمن يكتب أو عما يكتب.
وليس من السهل العودة إلى ذلك الوهج، بعد فترة طويلة من الانقطاع، وفي حالة الكتابة وغيرها من العلاقات الروحية أو المادية أو كليهما يحتاج المرء فيها إلى صدر رحب وأمل وتفاؤل، فالحياة وكل ما فيها تحتاج إلى من يتشبث بها، ويعيش فيها في حالة من الصراع والتمرد والثورة، لأن بقاء الانسان ساكنا كبقاء الجماد هو موت له وفقدان الحياة لنكهتها.
ولعل هذا الأمر قد عرفته طبيعة المجتمعات الشرقية والغربية، وكان لابد للحكومات بين الفينة والأخرى أن يشعلوا شعوبهم بما يجعلها شعوبا قوية حية مقتدرة متنافسة.
لا سيما بعد النضوج الفكري لعدد من شعوب المنطقة، حين رأت بعقلها تفاهة الحروب وقسوتها، وموت الكثيرين من أجل تحقيق مصالح آنية قد تتحقق أو لا تتحقق، وفي كل حالات الصراع العنيف كان لابد من خسائر وجدتها الشعوب باهظة.
كما أن ركون بعض الشعوب إلى الدعة والراحة وانعدام المسؤولية جعلها تشعر باللاوجود، فكانت هنالك احصائيات في انتحار فئات من المجتمعات التي لا ترى جدوى في وجودها، أو معنى لاستمرار بقاءها.
وقد يكون العكس في مرات ليست قليلة حينما يستفحل الفساد والفقر والاجهاد، دون وجود مقابل يجزي من حفظ للكرامة والانسانية والعنفوان، يدفع الكثيرين إلى ذلك الخيار كنوع من التمرد على الواقع المزري.
ولعل هذه الخيارات قد وجدت في منطقتنا الشرقية، وسمعنا عنها في الأخبار المتداولة، وقد نكون قد عشناها كفترة من فترات حياتنا، بما تقتضيه طبيعة الأمور، وما يمر به الانسان في تغير الزمان وأحواله.
ولابد من هذه التجارب أن نعلم أن المحرك الأساسي للطبيعة هي الحاجة.
فالكاتب يحتاج إلى الكتابة كنوع من التفريغ الفكري أو العاطفي، أو رغبة في الشهرة أو الكسب أو المعرفة.
والشعوب تحتاج إلى ما تعيش من أجله ولأجله كتحقيق التكامل والقيم واثبات الذات، ومتى ما شعرت بكمالها فهذه نهاية لطموحها وبداية لاندثارها.
وكما الطفل يحتاج إلى والدته، فالوالدة تحتاج إليه في اثبات مقدرتها على العطاء وتحمل المسؤولية وجدارة الامومة، وقد يعترض البعض على تصوير الأمور بهذه البساطة والسذاجة، ولا سيما حين ذكر بعض الأحاديث القدسية التي تقول أن الله سبحانه أحب أن يعرف فخلق الخلق لكي يعرف، وسواء أكان رغبته حكمة، أو سبب لا نحيط بعلمه.
فالأمور كلها تصب في تلك القيمة التي اسميتها (الحاجة) وقد يليق بها مفردة ( القدر) أو المقدار.
ومن هنا نستكشف عظمة سورة قرآنية نزلت بهذا الاسم.. بسم الله الرحمن الرحيم (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من الف شهر. تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر).
ولعل خفاء المنزل في الضمير الغائب وستر القدر في ليلة، دليل على العظمة المحجوبة التي تدور حولها حركة الكون.
ولا سيما أن الدين الاسلامي يدعو المسلمين إلى قضاء حوائج بعضهم البعض، والاستعانة بالكتمان في قضائها.
وما قصد الرجال وعلى كل ضامر وقت الآذان إلا نحو قبلة جعلت بيتا لله سمي القاصد إليه حاجا.
لذا تعود قيمة كل امرىء إلى ما يحسنه، وقيمة كل أمة في شعوبها، وقيمة كل شعب في أخلاقه وفكره وسلوكه، وما يقدمه في سبيل ما يؤمن من معتقدات وقيم.
اضافةتعليق
التعليقات