إن المحطتين الرئيسيتين التي يستحب فيهما تسبيح الزهراء لهما قبل النوم، وبعد الصلوات اليومية، فيبدو أن فاطمة (عليها السلام) كان عليها ضغط القيام بأعباء المنزل، فانطلقت إلى النبي المصطفى وهو حاكم العالم الإسلامي ظاهراً وباطناً وظاهرة الخدم كانت موجودة في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) الله وليست بظاهرة غريبة ولكن النبي عوّضها بهذا التسبيح لأمرين: الأول: عدم التميّز: وهي رغبة النبي في أن تعيش فاطمة كأي امرأة في المدينة من نساء المسلمين، حيث إنه ليست كل امرأة في المدينة لها خادمة، فالنبي لم يحب أن يخص فاطمة عليها بامتياز مادي، وهذا هو ديدنهم، ونحن نعلم سلوك علي أمير المؤمنين في بيت المال، وكيف كان طعامه.
الثاني: لتكسب الأجر الأخروي، فنلاحظ أن الله سبحانه وتعالى يكتب الخلود لعبده، إذا تجاوز برغبة من رغباته.. فلو أن فاطمة اتخذت خادمة تعينها في أمور المنزل، لبقيت سنوات من عمرها القصير وانتهى الأمر، ولكن الله تعالى أكرمها بما قاله النبي (ص): (أفلا أعلمكما ماهو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميد) (۱)، هذه التسبيحات التي يقول عنها الإمام الصادق (عليه السلام) الا أنها من مصاديق الذكر الكثير: (من بات على تسبيح فاطمة الا كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات ) (۲)، وأنه أحبُّ إلى الله تعالى من ألف ركعة في كل يوم، حيث روي عنه عليها: (تسبيح فاطمة عليها في كل يوم في دبر كل صلاة أحبُّ إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم ) (۳)، والإمام الباقر يضيف الاستغفار بعد تسبيحات الزهراء (عليها السلام)، لتغفر له ذنوبه ويتباعد عنه الشيطان، قال : (من سبّح تسبيح فاطمة عليها ثم استغفر غفر له وهي مائة باللسان وألف في الميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن)(٤).
ولكن – مع الأسف - نحن مع التكرار الكثير لهذا العمل المبارك، كأنه فقد مغزاه فنكرّرها على شكل تلاوة لفظية سريعة، حتى أن الإنسان بعض الأوقات لا يميّز الكلمات، فضلاً عن التأمل في المعاني المختزنة فيها! وعليه فلابد من الالتفات إلى اتخاذ تسبيحات الزهراء ذكراً، نؤديه بحضور قلب، وتوجه.
إشكال وجواب:
قد يسأل البعض ويقول: نحن نعلم أن السيدة الزهراء لها كانت قمّة في الزهد، فكيف نجمع بين زهدها، وأن لها خادمة وهي (فضة)؟
الجواب نعم، إن في فاطمة الزهراء تجسدت كافة الصفات الإنسانية والكرامات الأخلاقية، كما تصرح بذلك نصوص الحديث والتاريخ والسيرة وأما في موضوع السؤال، فإن الروايات المتضافرة دالة على أن النبي الله قد منحها وعلمها التسبيحة التي نُسبت فيما بعد إليها، بدلاً من الاستعانة بخادمة في البيت (٥).
وأما ما جاء من وجود خادمة لها اسمها فضة، فهذا قد حدث متأخراً بعد ما تحسّن وضع المسلمين نوعاً ما بسبب كثرة الفتوحات والغنائم، فأتحفها الرسول بفضة لتستعين بها على بعض الأشغال في البيت حتى تتفرغ لعبادتها أكثر .
ثم هناك نقطة هامة يجب الانتباه إليها ـ وهي مطردة في حياة المعصومين جميعاً وهي أنهم كانوا يربون أشخاصاً في بيوتهم تحت عنوان الخادم والغلام والعبد والأمة وغيرها، وهؤلاء بدورهم كانوا يتعلمون علوم ومعارف أهل البيت (علهم السلام) بين الناس، وهذا ما نشاهده وفي بعض الأحاديث المذكورة والكلمات المنقولة عن فضّة مثلاً، وعليه، فتواجد الخادمة في بيت فاطمة وعلي قد كانت من أجل تربيتها وتثقيفها أولاً وبالذات.
اضافةتعليق
التعليقات