كلما ازداد الانسان حباً ازداد اتباعاً وولاءً وعطاءً، وكلما ترسخ الحب في أعماق كيانه وتجذر أكثر فأكثر تأقلمت حياته وتحددت مسيرته على ضوء إشعاعات ذلك الحب، أكثر فأكثر، فما بالك إذا كان ذلك الحب في ذات الله، فمن المؤكد سيكون أثره عظيماً وستقطف ثماره في الدنيا قبل الآخرة.
وإذا كانت النفس والدنيا والشياطين والهوى تدفع الإنسان نحو اقتراف الآثام واجتراح السيئات، فإن المحبة تعد سلاحاً يواجه به قوى الشر وعوامل الضلال فكما العقل فكذلك المحبة، وكما قد يعجز العقل عن مواجهة جيوش الضلال والإضلال.
فإن المحب يندفع شعورياً أو لا شعورياً وبإيحاءات من الوعي الباطن نحو التأسي بمن أحب أو على حسب تعبير علماء النفس (لتقمص شخصية المحبوب، ولذلك كان حب الله وحب أولياء الله من أقوى العوامل الدافعة لتهذيب النفس وتطهير الروح وتنامي الملكات الحميدة ومكارم الأخلاق).
كما أن محبة الله تعالى فرض عقلي فطري، كذلك محبة من بوجودهم ثينت الأرض والسماء، وهم وسائط الفيض الإلهي بكافة جوانبه، حدوثاً وبقاءً، وأصلاً ونماءً إلا هم آل بيت الأطهار، ومما يكشف عن الجانب الموضوعي للمحبة، الرواية التالية فعن عبد الله بن مسعود: كنا مع النبي (صلّى الله عليه وآله) في بعض أسفاره إذ هتف بنا أعرابي بصوت جمهوري، فقال: يا محمد، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ما تشاء ، فقال : إن المرء يحب القوم ولا يعمل بأعمالهم ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): المرء مع من أحب.
إذن المحبة في حد ذاتها مقياس ومعيار وميزان، بل هي المقياس الرئيسي، وعليها - وبتصريح الرسول الأعظم - تدور معادلة الجنة والنار والسعادة والشقاء، ولا ينافي ذلك أن يستحق ذكر هذه الصفات تضمن الإشارة إلى القول بأن: (محبتهم فرض عقلي فطري) نظراً لكونهم أولياء النعم كلها ومحبتهم هي من أجلى مصاديق (شكر المنعم).
والذي يستفاد من الآيات والروايات أن محبة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها لها الموضوعية، إضافة إلى مالها من الطريقية فهي في حد ذاتها محمودة وممدوحة ومطلوبة، وهي في حد ذاتها مقياس، وهي في حد ذاتها عبادة فهي كـ (الصلاة) فكما أن الصلاة (عبادة في حد ذاتها) وطريق إلى الردع عن المعاصي حيث قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكر}.(العنكبوت آية ٤٥).كذلك محبة السيدة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها . قال تعالى:
﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ (الشورى: ٢٣) . بل إن هذه المحبة هي أفضل العبادات على الإطلاق بعد محبة الله تعالى الموضوعية في محبة آل بيت الرسول فقد ورد : «(إن حبها عليهم السلام إيمان وبغضها نفاق) . ومن الواضح أن الإيمان له قيمة ذاتية وله الموضوعية إلى جانب الطريقية. ومن الواضح أيضاً أن الإيمان هو جوهر العبادات.
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إني لأرجو لأمتي في حب علي كما أرجو في قول لا إله إلا الله ".
وعن أبي ذر : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "مودة علي عبادة ". وعن أمير المؤمنين (عليه السلام ) : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «قلت لجبرئيل، أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ قال:الصلاة عليك يارسول الله وحب علي بن أبي طالب1. كما إن محبة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها هي (حلقة وصل) وهي رابط جوهري بين الماضي السحيق والمستقبل السعيد، وهي جزء من منظومة غيبية - تكوينية متكاملة. إن استقرار محبة أهل البيت له في قلب المرء يكشف حسب الروايات المتواترة وبالبرهان الإني عن طيب ولادته، وعن نقاء سريرته، وعن (سمو معدنه وجوهره) والعكس بالعكس تماماً، فقد ورد عن رسول الله : من أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أولى النعم، قيل : وما أولى النعم؟ قال : "طيب الولادة، فلا يحبنا إلا من طابت ولادته" .
وقال رسول الله : يا علي من أحبني واحبك وأحب الأئمة من ولدك فليحمد الله على طيب مولده فإنه لا يحبنا إلا من طابت ولادته ولا يبغضنا إلا من خبثت ولادته . وعن الصادق له عن آباله عنه قال: قال رسول الله : من أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أول النعم، قيل: وما أولى النعم؟ قال: طيب الولادة، ولا يحبنا إلا من طابت ولادته.
فبغض آل بيت الرسول يكشف عن خبث الولادة وسوء السريرة وعن (طينة خبال) التي عجنت منها خلقة ذلك العدو المبغض هذه هي جذور المعادلة، ومن الطبيعي أن تتماسك الحلقات وتسلسل هكذا حيث الولادة، بغض آل البيت دخول النار. ومن الواضح أن ذلك مشروط بعدم التراجع والعود إلى المعاصي التي تستوجب النار، فالأمر فيه كالأمر في الاستغفار.
بل قد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "أيها الناس من أراد أن يطفئ غضب الله وأن يقبل الله عمله فلينظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فالنظر إليه يزيد في الإيمان، وإن حبه يذيب السيئات كما يذيب النار الرصاص"، ومن الواضح أن المراد بـ (النظر إليه) ذلك الصادر عنه ، غير المبغض له فما بالك بمحبته وهي تتعلق بالقلب الذي يفوق شرفاء العين واللسان؟ بل إليه يرجع ما لها من الشرف، وباعتباره لهما المكانة والقيمة، وباعتباره يمدحان أو يلمانه وذلك أن محبتهم المالك امتداد لحب الله، بل هي قوام محبته.
ولابد لكل محبوب أن يظهر محبته ويقرنه بالعمل ووجوب اظهار ذالك الحب والتبليغ عبر العمل باعتبارنا محبين وشيعة لأفضل مخلوقات الله على الإطلاق، أن ندعو الناس إلى سادتنا وقادتنا ومن نحبهم عبر العمل الصالح، وعبر السلوك الأخلاقي الأخاذ، فإن سلوك الأتباع ومحامد أخلاقهم هو من أقوى سبل الدعوة والهداية، ومن أسرع الطرق للتعريف بمن نحب، وقد قال الإمام الصادق: كونوا دعاة الناس بأعمالكم ولا تكونوا دعاة بألسنتكم. إذا قلت إن الحب والإيمان وجهان لعملةٍ واحدة، فكلاهما مَنْبَعُهُ القلب وأثره ظاهر .
---------------------------------------------
اضافةتعليق
التعليقات