على أبوابهم يحلو السلام.. أكفٌّ تطرق الأبواب يحملها الحب.. ووجيب قلوب يعلو مع كل طرقة باب..
هنا رفرفة شوق في حنايا الأرواح، تصهل كخيل في مرابطها حضورا.. وتأبى الغياب.
وهناك حيث العشق المصفى من كل شائبة..
والحب المُطّهر من دنس الخطايا.. يحيل كل يباب الدنيا أودية خضراء تسرّ الناظرين.
على أبوابهم يحلو السلام بأصناف اللغات.. وتتنفس رئتا الحبيب عطر الولاء الرضوي. فتزدلف النوايا معلنة وصل الغريب للغريب.. فيا له من وصل تذوب فيه كل ذرات النَصَب والاعياء.. وصل يطوف في عوالم الذكرى، ليقف عاشق الرضا على أبواب جنانه، وليحتفي بالغربة وطنا للحب واللقيا.
على أبوابهم تستمطر الأكف غمام كرمهم.. لتسد جوع الأيام وسغب الليالي.
يرفعها نحو السماء لتهبّ نسائم كرم المعبود من تحت قبابهم وأفنية دورهم..
لن تعود تلك الأكف خالية الوفاض، ولن تنكص الآمال على أعقابها، وهي تتمرغ شوقا ولهفة على أعتابهم وفي كنفهم.
فيا أيها الرضا.. يانفحة الفيض المحمّدي، ويا بقية الشجرة العلوية المباركة.. أيّ بركة قد أُودعت في حضوركم وغيابكم ياسيدي؟! وأيّ شأن عظيم قد خصّكم به الباري.. حتى جُعلت أبوابكم خير الأبواب.. ودياركم خير الديار؟!
كل كؤوسنا عطشى لمعين كرمكم ياسيدي..
وكل صحارينا يباب تستمطر بأسمائكم مُزن السماء، لتغدو نضّاخة وفيرة المياه.
فما أجمل الوقوف على أبوابكم؟! وما أحلى أرواحنا وهي تهيم بحبكم وتأنس بقربكم وجواركم؟!
وما أجمل الأيام وهي تعلن اقتراب ميعاد لقياكم؟!
فمعكم معكم.. لا مع عدوكم.
بضعة في خراسان
على سكة الاشتياق يمضي بنا قطار اللهفة، مدجّجون بأحلام ورؤى وأخيلة، تأخذنا حيث الغريب البعيد.. هناك مأوى ذراري بقايا الانبياء، ودوحة سامقة ترتاح اليها النفوس، وتحط عندها ركاب العاشقين الوالهين.
وتطوى المسافات فيشتعل الشوق فينا وفي حنايا الوجد.. لتستريح أرواحنا هناك، وملء اجفانها سنىً وترقّبا لقدسه الملكوتي، المتلألأ بالنور والمتوشح برداء رضىً وتسليم، تفيض كفّتاه بنوال من رب رؤوف لامام رؤوف .
وعند اعتاب المولى ابي الحسن علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحايا والسلام، تختال الرؤى وتبسم الأمنيات وتنفرج الأسارير لمرأى الجلال والجمال والهيام، وتنسكب درر العيون، مُزناً تغسل أدران الخطايا وموبقات الآثام.
وأتساءل: أي مكرمة عظيمة وتحنان، قد أودعتكِ السماء يابقعة النور الوضّاءة في خراسان؟!
وأي وهج رفيع الشأن ذاك الذي يلف الزمان والمكان، فيستحيلان إلى جنّات ذات أفنان؟!
لعمري إنها لجنّة في خراسان.. دانية قطافها رضي من رضي وأبى من أبى... وهنا مسك الختام وخاتمة البيان .
وصدق رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إذ قال :
"سَتُدْفَنُ بَضْعَةٌ مِنِّي بِأَرْضِ خُرَاسَانَ مَا زَارَهَا مَكْرُوبٌ إِلَّا نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ، وَلَا مُذْنِبٌ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ".
امكثوا ما طاب لكم
هي الروح لا سواها.. تسابق عقارب الزمن لتحطّ رحالها هناك، حيث مسافات الوجع والبعد والنأي عن الأحباب والخلّان..
ايه أيها الرضا ياثامن الأئمة، ويانبراس الضياء الكاشف لظلمات الروح ودهاليزها المعتمة، متى تستريح ارواحنا المثقلة بالأنين في ساحة قدسك؟ ومتى تضع الأجساد أوزارها فلتثم اعتابك لتستحيل عدما؟!
حنانيك يامولاي يانور الله في الأرضين، وياقبس مشكاة الوحي المرصّع بالضياء والبهاء، تزول الدنيا ولا تزول.. إذ انت في حنايا الروح والوجدان وبين طياتهما يختبأ اسمك المرضيّ، لم تزل ذكريات أنسك تلج قوافل الزوار والمريدين، الى الان لم تبرحها.. فبك تقرب كل مسافات الوصل في دنيا العاشقين، وبك تتدثر اضلاع من باتوا على جمر حرارة الشوق وسنا اللهفة والحرمان.
حتى الجغرافيا _سيدي الرضا _ تساقطت خرائطها تحت قدميك فلم يعد لها وجود، ولن يُحسب لها حساب في عمر الولاء.. ليس الجغرافيا لوحدها، بل كل عوالمنا الدنيوية تتبخر عند اعتابك وفي كنفك.. وكل مَدَياتنا تذوب في مَداك، ماذا فعلت لها ياسيدي حتى استحالت الى عدم؟ وكيف أرديتها نحو الحتوف وانت هناك في خراسان لم يغادر طيفك مكانك؟!
أخبروني أيّها الموالون ماذا وجدتم عند الرضا، فما عدتم قادرين على البعد والرحيل؟ ألستم تنشدون سكينة الروح وخلاصها؟ إذن فٱمكثوا ما طاب لكم المكوث.. وانهلوا من عبير شذاه ما تطيّبون به بقية أيامكم.
دع همومك ياعاشق
حين تلج جنة الرضا العامرة بالأنس والسكينة.. دع همومك المثقلة وراءك ..أثبت حضوركَ القلبيّ ببصيرة عاشق.. وأقبل عليها بروح ملؤها الشوق والحنين..
فلا عذر لك إن تساوى يوماك هناك. اذرف دمعة من مآقيك، وٱستشعر الحزن لرحيل الرضا عليه السلام، فما أجمل ان تعانق الدمعة فرحة اللقاء!! وما أولهنا نحن البعيدون للبكاء وذرف الدموع..
بالله أسالكم: هل رأيتم في دنياكم دمعة تعانق فرحة؟! أو تأوهاً تعلوه دهشة؟!
في جنة الرضا تحضر كل الممكنات، وتجوز كل الاستعارات.
فٱمنح قلبك _ أيها الزائر _ فرصة للبوح.. كي ينال حظوة من كان للأنس عنوانه الأبهى، فهو لم يزل بلسما للنفوس المتعبة، وعند أعتابه تزول لواعج القلوب المُحطّمة.
لا تبحث _ أيها الوافد _عن كرامة هنا او هناك..
وصولك إلى أنيس النفوس هي الكرامة بعينها.. فغضّ الطرف ياصديقي عما كان أو يكون أو هو كائن.
وأشغل قلبك بلحظتك العامرة بالحب والعرفان.
يا باحثا عن الدرر والياقوت والمرجان.. قف هنيهة.. وامتطي صهوة التمني.. فهنا يرقد أثيل مجد لا يُجارى..
هنا دوحة يستضيء بظلها الوارف كل قلب طاله الجوى، فاطرح تباريح الهوى.. لتأنس بفيض غامر من لدن ذوي النهى ..
وكن على يقين.. أنه لا ولن يُلقّاها إلا ذو حظ عظيم ..
ضع يدك على قلبك.. وامنحه فرصة العناق لدعاء، أو لطيب حروف تنثال كرذاذ مطر.. تغسل أدران الجسد البالي.. إسأل الله عنده أن يهبك نسمة من نسائم الجنّة، كي تخترق شغاف القلب، فتهدأ موجعات الأيام.. وتُزهر السكينة..
فهل أنت فاعل؟
اضافةتعليق
التعليقات