سخّر تعالى مخلوقاته بخدمة الإنسان، لما ميّزه به من عقل ليُميز بين الحق والباطل ويختار طريقه، وهناك مجموعة من الأمور التي تدل على العقل ويتبعها من يريد سلامة عقله.
عندما سُئل الإمام علي الرضا (عليه السلام): ما العقل؟ فقال (عليه السلام): التجرع للغصة، ومداهنة الأعداء، ومداراة الأصدقاء. أمالي الشيخ الصدوق ص233 ح17
مُدَاهِنٌ في اللغة جاءت من:
[د هـ ن]. (فَا. مِنْ دَاهَنَ). مُدَاهِنٌ لِلنَّاسِ: مُدَارٍ، مُلاَيِنٌ، مُصَانِعٌ لَهُمْ.
مُدَاهَنَةٌ
[د هـ ن]. (مص. دَاهَنَ). مُدَاهَنَةُ الْمَسْؤُولِينَ: الْمُلاَيَنَةُ، الْمُدَارَاةُ. معجم لغة الفقهاء
المداهنة
بضم الميم من داهن ، ترك إنكار المنكر إجلالاً لصاحبه وتقرباً منه. معجم الفروق اللغوية
قال الغزالي: (الفرق بين المدَاراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء؛ فإن أغضيت لسلامة دينك، ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء، فأنت مدار، وإن أغضيت لحظِّ نفسك، واجتلاب شهواتك، وسلامة جاهك فأنت مداهن) [3459] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/182).
قال الله - عز وجل - موصياً موسى وهارون - عليهما السلام - عندما أرسلهما إلى الطاغية فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 44].
وتعريف المُداراة:
قال ابن منظور في لسان العـرب: المداراة في حسن الخُلُق والمعاشرة؛ فإن ابن الأحمر يقــول فيــه: إنه يُهمـَـز ولا يهمز يقال: دارئته مداراة وداريته إذا اتقيته ولاينته.
قال ابن بطال: المداراة خفض الجناح للناس، ولين الكلام، وترك الإغلاظ لهم في القول. وقال ابن حجر: الدفع برفق
فالحياة فيها المصاعب ومن ثوابتها الاختلاف فحتى بين أفراد عائلة واحدة يوجد الاختلاف فلكل فرد من البشرية فكره وميوله التي يختص بها، وهكذا تمضي الحياة وبالتعايش مع أفرادها تتكامل.
لذا على الإنسان أن يستوعب أخيه الإنسان، ويفهم الحياة بمُجرياتها، ويتعلم الصبر ويتحلى بالإرادة والقوة ويملأ قلبه بالمحبة وحب الخير للجميع.
فيتجرع غصص الحياة، وإن أساء إليه أحد لا يرد عليه بالمثل ولا يتعصب لموقفه بل يقابله بالرفق واللين، فإن ذلك من تمام العقل كما وضحه ذلك الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في قوله: مداهنة الأعداء
ومع الأصدقاء فما دام الاختلاف موجود تحدث بعض الخلافات التي لابد من التغاضي عنها وعدم اللجج فيها، وإلا لتناحر الجميع ولم يهنأ لهم عيش أبداً وأفنى بعضهم بعضاً..
وهاهو أنيس النفوس غريب طوس علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه أسوة وناصحاً لكل ذي عقل، فقد رضي به المخالفون من أعدائه والموافقون من أوليائه، فمن لطفه يمن على كل من حوله بكرمه ويُعطي للجميع
قال عنه ابن حبان: «وقبره بـسنا باد خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مراراً كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بـطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلاّ استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جرّبته مراراً، فوجدته كذلك. أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.».
فالسلام عليك سيدي يا أنيس النفوس سلام حب وشوق واعتذار.
اضافةتعليق
التعليقات