المسلم اليوم في الغالب إما جاهل أو منافق يستخدم الاسلام كرداء فقط وكوسيلة للوصول الى مصالحه أو إرهابي ومتطرف أو فاهم الاسلام غلط، وبين كل اولئك ضاع الذي يمثّل الدين الحقيقي بين معمعة المتأسلمين وكدنا لا نميّزه لقلة العدد والمدد!.
هذا وشريعتنا تملك من القوة والعدالة والحرية والانسانية مايجعلها ناجحة ومنتشرة، ولكن مشكلة المشاكل اليوم هم بعض المسلمين الذين شوّهوا هذا الدين أولاً والكارثة الكبرى هو نقل هذه الصورة الخاطئة والمُحوّرة الى الاخرين، وبطبيعة الحال سينفر الغير مسلم من هذا الدين وسيصطاد العدو في الماء العكر لزرع الفتنة والسيطرة على رقاب ومقدرات المسلمين.
وهنا تأتي أهمية الفصل بين الاسلام والمسلمين، بين النظرية والتطبيق، بين الاحكام والمبادئ وبين من يدعي العمل بها..
وايضا علينا أن نغربل الشخصيات التي تُمثّل الاسلام في التاريخ القديم أولاً ومن ثم الحديث، لمعرفة الخلل الحاصل في سبب وصول الاسلام بهذه الطريقة..
فهناك فرق شاسع بين ذاك التاجر الذي دخل الالاف الى الاسلام بسبب اخلاقه في اندونيسيا وبين حُكّام الاندلس الذين اخرجوا الناس من دين الاسلام بسبب جرائمهم وفسقهم ومجونهم.
ولعل أهم ماجعل ديننا ضعيفاً ومُتهماً بالتناقض اليوم هو التشتت والاختلافات الحاصلة بين المسلمين، فالانسان الباحث عن الحقيقة سيحتار الى من سيتوجه ومن يسأل، والمسلمين هم عبارة عن طوائف ومذاهب تتفق في أمور وتختلف في اخرى..
وإن عدنا الى جذور هذه الأزمة نجدها في أول مسألة عقائدية اختلف فيها المسلمين بعد أن كانوا أمة واحدة، ألا وهي مسألة خلافة الرسول (ص)، وكان يوم الغدير الحُجة البيضاء الاخيرة بعد حجج اخرى سبقتها وبيّن فيها الرسول (ص) من هو الوصي والخليفة من بعده.
الحديث عن الغدير حديث ذو شجون، لن نستطيع في سطور ولا في صفحات تبيان تفاصيل هذه الحادثة التاريخية والمفصلية في حياة الأمة، فهي بنظر الشيعة قضية ناجحة لها من قوة الحجة ما لاتحجبها الشبهات، وهكذا بينت بضعة الرسول فاطمة (ع) لما منعت فدك وخاطبت الانصار، فقالوا: يابنت محمد لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ماعدلنا بعلي احداً. فقالت صلوات الله عليها: وهل ترك أبي يوم عيد الغدير لأحد عذراً؟!.
وبالرغم من الخلافات والخصومات إلا أن الحقائق لا تضيع لمن رام معرفة الحق من الباطل، فعلى الباحث أن يُتعب نفسه قليلا في التنقيب عن اسباب وعوامل الفتن والاضطرابات التي تحصل اليوم والتي هي نتيجة التخلّف والتخاذل عن البيعة في ذلك اليوم!.
ولحسن الحظ قد اتى في زمن مضى محامين ناجحين لقضية الغدير ومنهم العلامة الشيخ الاميني في موسوعته الخالدة: الغدير، وقد اختصر الطريق على كل من يريد معرفة الحقيقة ويطوي أشواطاً من البحث والسؤال والاستقصاء، فصفحات موسوعته المملوءة ذهباً تُثبت الكثير من الحقائق المخفية وقد أظهرها على لسان المخالفين سنداً ومتناً..
قد يسأل سائل، مادامت قضية الغدير ناجحة ووصلت في يوم ما الى يد محامٍ ناجح، فلماذا الشيعة اليوم أقليّة في بلاد المسلمين، أوليس الحق ظاهر جلي؟!
هناك عدة ملاحظات حول هذه الاشكالية المطروحة، منها:
المعيار الحقيقي في اثبات الحق ليس في الأقل والأكثر عدداً، بل في قوة الحجة، فالكفار اليوم أكثر عدداً من المؤمنين، والمسيح اكثر نفوساً من المسلمين، والله عز وجل يقول في كتابه الحكيم: "ولكن أكثركم للحق كارهون"، وأمير المؤمنين (ع) يؤكد هذه الحقيقة لذلك يوصي مواليه ويقول: لاتستوحشوا طريق الحق لقلة ساليكه.
القمع والقتل والتعذيب والتشرد والارهاب الذي تعرّض إليه الشيعة على طول التاريخ من قبل حكومات بني أمية والعباس وصولاً الى فتاوى ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب التي يطبقها الطغاة وشيوخ الدم الى اليوم، كل هذا زرع الخوف في نفوس الكثير وحال دون إعلان حبه وموالاته لأمير المؤمنين، وهذا ماتنبأ به الرسول الاكرم عندما بيّن أن من يحب علياً فليلبس جلباب البلاء.
واخيراً، ولعلها النقطة الأهم في وقتنا الحاضر، أنّ الشيعة اليوم حقيقةً يعوزهم محامين ناجحين يتحلون بالحكمة والذكاء لإيصال قضية الغدير..
فإثبات أنك على حق لايكفي، فلنشر ثقافة الغدير توجد فنون وطرق على كل مُبلِّغ أن يضعها في عين الاعتبار، فهناك عدة مهارات على الموالي أن يوظفها في خدمة قضيته، فعليه أن يعلم مثلا أنَّ كيفية التكلم لاتكفي بل متى يتكلم ومن يحاجج، وعليه أن يعرف أن الزمن اختلف والناس اختلفت بفعل العولمة والحروب والأزمات..
فهناك طريقة ومنهجية في الكلام تختلف عندما تحادث ممن يشاطرك عقائدك ويكون هدفك هنا فقط تقوية معتقداته أو تصحيح بعضها، أو إن كان مسلماً من غير طائفة، أو غير مسلم، أو حتى ملحد، ولاتستغربوا، فالملحد الذي لايؤمن بوجود الله يؤمن بوجود شخصيات تاريخية على أرض الواقع مثل علي (ع)، فعلى المُبلغ أن يميز بين كل هذه الأصناف، وحتى في الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية..
فلكل نوع وتر خاص يحتاج الى نغمة مختلفة لينسجم ويتجاوب معك عن طريقها، وهذا ليس نفاق ولا ازدواجية بل حكمة على الموالي أن يتحلى بها ليعرف الحد الفاصل بين المداراة والمجاملة على حساب الحق.
فالانسان العاطفي يحتاج أن تدخل الى قلبه وكسب موقفه عن طريق تبيان الحزن والظلم الواقع على علي وأبنائه، والانسان العقلاني يطلب منك اقناعه عن طريق أدلة عقلية ونقلية، ولعل أهم وتر على المؤمن أن يركز عليه هو القيم والمبادئ التي تحلى بها علي (ع) والتي تجعله أحق من غيره في الخلافة والإتباع ومنها (الانسانية والعدالة) فهما دعامتين تقوم عليهما أغلب المنظمات والدول التي تنادي بحقوق الانسان..
صدق الشاعر المسيحي (بولس سلامة) عندما قال: لا تقل شيعةٌ هواةُ علي.. إنَّ كل منصفٍ شيعيا.. هو فخرُ التاريخ لافخر شعبٍ.. يصطفيهِ ويدعيهِ وليّا..
اضافةتعليق
التعليقات