مما لا يخفى على أحد أننا نعيش في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل، فيكاد لا يخلو بيت إلا واجتاحه هذا التطور بشكل أو بآخر. كما هو معروف فإن هذه التكنولوجيا تعتبر باباً واسعاً للتسلية والترفيه لدى الكثير من الأطفال، ولكن ليس هذا فحسب فهي بالمقابل تعطي مجالاً أوسع لتنمية المهارات والقدرات التعليمية والتواصلية عند هؤلاء الأطفال.
نعم قد يكون من الصعب جداً في ظل هذا الغزو التكنولوجي الضخم أن يتم منع الأطفال البته من استخدام هذه الأجهزة الإلكتروتكنولوجية، ولكن لا بد من أن يكون هناك نوعاً من التدخل سواءً من الأهل أو من المدرسة لضبط فرط الاستخدام لهذه الأجهزة عند هؤلاء الأطفال أو بعبارة أخرى “ضبط ما يدعى بسوء الاستخدام” ولا أدري إن صح التعبير.
حيث ومع الاستخدام المكثف للإلكترونيات في ظل انتشار جائحة (كوفيد - 19)، وازدياد الاعتماد على الانترنت بسبب العمل والدراسة عن بُعد والتواصل الاجتماعي، برزت مخاوف عديدة حول تأثير التكنولوجيا على الصحة الجسدية والنفسية للأطفال.
كشف عرضُ للبيانات العالمية حول تأثير التكنولوجيا على الدماغ والجسد، أعده فريق الأزمات الصحية والنفسية بمدارس مؤسسة قطر، عن زيادة في استخدام الشاشة لدى الطلاب، بسبب التعلم عن بعد، الألعاب الالكترونية، وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من العوامل.
تؤكد الدكتورة ترايسي هاردستر، مدير في مركز التعلم، جزء من التعليم ما قبل الجامعي بمؤسسة قطر أن البيانات العالمية الحديثة تشير إلى أن غالبية الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عامًا في الولايات المتحدة الأميركية يقضون ما لا يقل عن 50 % من الوقت على الشاشات كل يوم خلال الجائحة، لافتة إلى أنه على الرغم من عدم وجود إحصائية مماثلة في دولة قطر، إلا أنه، وبالنظر إلى الوضع الحالي، يفترض أن تكون الأرقام متقاربة.
حيث يؤثر الاستخدام المكثف للتكنولوجيا على نمو الأطفال على مستوى صحتهم النفسية والجسدية، خصوصًا أن أدمغتهم مرنة ولا تزال في طور النمو، فالتعرض المستمر للتكنولوجيا يؤثر على وظيفة هذه الأدمغة وطريقة عملها.
تقول الدكتورة هاردستر: «عندما يتعرض الطفل لمستويات عالية من التكنولوجيا، فإن دماغه يعتاد على التعامل مع مصادر متعددة من المعلومات والأفكار. تحفز هذه الأفكار الروابط بين خلايا الدماغ وتخلق مسارات عصبية جديدة بين أجزائه، فكلما مارس الطفل نشاطًا معينًا كلما أصبحت تلك المسارات العصبية أقوى.
تتابع: «كما يؤدي قضاء وقت طويل أمام الشاشة إلى الإجهاد النفسي، حيث يتم تحفيز الجهاز العصبي، كما تحفز الالكترونيات متلازمة الكر والفر التي تضع الجسم في حالة توتر دائم خلال فترة الأزمات أو حالات الطوارئ.
تضيف: «ينتج عن هذه المتلازمة إنتاج هرمون الكورتيزول، أي هرمون الإجهاد يؤدي هذا الهرمون إلى فرط الإثارة، مما يسبب زيادة في ضغط الدم وضعف التركيز، وأداء الذاكرة، وتراجع التنظيم الذاتي لحالتنا المزاجية، يتضمن ذلك زيادة في مشاعر الغضب وعدم القدرة على التعامل مع مشاعر الإحباط» كما حذرت دراسة ألمانية حديثة من استخدام الأطفال للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، إذ قد تسبب ضرراً كبيراً على سلوكيات الطفل.
وأوضحت الدراسة التي أجريت في جامعة لايبزغ الألمانية أن تلك الأجهزة تؤدي إلى حدوث فرط نشاط وشعور باللامبالاة لدى الأطفال ممن تتراوح أعمارهم ما بين الثانية والسادسة عاما.
وقالت الدراسة التي نشرت في دورية "International Journal of Environmental Research and Public Health"إن استخدام الهواتف المحمولة ارتفع بشكل كبير بين عامي 2011 وحتى 2016 ، وهو الأمر الذي ارتبط بمزيد من مشكلات السلوك وفرط النشاط وعدم الانتباه والمتابعة.
من ناحية أخرى، أكد الباحثون أن الإفراط في استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة خاصة في مرحلة ما قبل المدرسة، يؤدي إلى حدوث اضطرابات في العلاقات الأسرية .وفي سياق نفس الدراسة، قام الباحثون بدراسة 527 طفلاً ألمانياً، مع مراعاة عدة عوامل منها عمر الطفل ومرحلة الدراسة ونوعه ووضعه الاجتماعي والاقتصادي. واستعان القائمون على الدراسة بالآباء الذين قدموا معلومات عن استخدام أطفالهم للوسائل الإلكترونية، وكيفية تعاملهم وسلوكياتهم لمدة عام كامل .توصل الباحثون إلى أن الأطفال ممن استخدموا الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والتابلت ( الكمبيوتر اللوحي) بشكل يومي، كانوا أكثر نشاطاً بشكل مبالغ فيه، بالإضافة إلى إصابتهم باللامبالاة وعدم الاكتراث بما يحدث حولهم. كما وجد الباحثون أن الأطفال الذين استخدموا تلك الوسائل الحديثة تعرضوا لصعوبات ومشكلات في التعامل مع أطفال آخرين.
وينصح الباحثون بعدم استخدام الأطفال ممن تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات لأجهزة الكمبيوتر اللوحي أو الهواتف الذكية، أما بالنسبة للأطفال الأكبر سناً، فلا يجب استخدامها لأكثر من 30 دقيقة في اليوم، بحسب الدراسة.
ومن هنا يتضح أن الأمر لا يخلو من وجود بعض النقاط التي وللأسف من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على هؤلاء الأطفال؛ التي عادةً ما تحدث جراء الاستخدام اللامبرمج لهذه الأجهزة الإلكترونية، ولعل من أبرز هذه النقاط السلبية … وليس على سبيل الحصر:
1- الخلل الذي قد تحدثه هذه الأجهزة الإلكترونية في النمو الاجتماعي والوجداني الطبيعي للطفل، والتأثير السلبي أيضاً على التفاعل النفسي لدى هذا الطفل سواءً في بيئته المنزلية أو المدرسية؛ مثل العزلة أو فرط الحركة الغير طبيعي وغير ذلك من السلبيات.
2- خلافاً لما قد يتوقعه الكثيرين، فإن هذه الأجهزة الإلكترونية من شأنها أن تقلل من نسبة الذكاء وروح الابتكارات عند هؤلاء الأطفال، فقد أشار باحثون على أن الإجابات الجاهزة والتي بمجرد الضغط على شاشات هذه الأجهزة يمكن أن تؤثر على نمو الطفل الوجداني وتحد من قدراته على الإبداع والتفكير في مواجهة وحل المشكلات بشكل سليم ومنطقي.
3- الحد من التدريب اليدوي ومن المهارات المتعلقة بالتوافق بين النظر والحركة اللازمين للنمو الإدراكي السليم عند الأطفال.
4- العزف عن ممارسة الرياضة بسبب توافر عناصر الجذب في هذه الأجهزة؛ من الألعاب والفيديوهات والصور وغيرها، مما يؤثر سلباً على النمو البدني والاجتماعي عند هؤلاء الأطفال.
5- المشاكل البصرية – حيث أنه بات معروفاً لدى الجميع ما قد يتسببه كثرة النظر إلى هذه الشاشات الإلكترونية من ضعف في النظر ومن الإجهادات البصرية المتكررة.
6- اضطرابات النوم وما يليها من تبعات لا تحمد عقباها والتي وللأسف بتنا نراها بشكل ملحوظ ولا سيما في الآونة الأخيرة مثل الأرق والتعب العام وقلة التركيز والقلق والتوتر، وغير ذلك من الإضطرابات التي من شأنها أن تؤثر على الحالتين البدنية والنفسية على حد سواء.
7- التدني الملحوظ في المستوى المدرسي وذلك بسبب الإدمان على شاشات تلك الأجهزة الإلكترونية والذي أصبح واضحاً جلياً وخصوصاً في ظل هذه الثورة التكنولوجية المستمرة.
8- المشاكل التي قد تسببها الإشعاعات والموجات الكهرومغناطيسية الصادرة عن هذه الأجهزة والتي لم يثبت أمانها بعد حتى الآن، علاوة على ذلك ما تحدثه الجلسات الطويلة الخاطئة أمام شاشات هذه الأجهزة من الآلام المفصلية العضلية سواء كانت آلاماً رقبية أو ظهرية.
حلول لتجنب أضرار الأجهزة الألكترونية:
- يجب تحديد وقت معين لممارسة هذه الألعاب على الأجهزة الالكترونية ولا تكون طول اليوم للسيطرة على ادمان الطفل لهذه الألعاب.
- وضع برنامج مراقبة لمعرفة ما يفتحه الطفل على الأجهزة.
- جعله يمارس هذه الألعاب مع أصدقائه حتى لا ينعزل عنهم.
- تخصيص وقت لممارسة الأنشطة الرياضية.
- غرس حب القراءة في نفس الطفل.
- جعله يخرج طاقته من خلال الرسم لزيادة قدرته على التخيل والابداع.
البرمجة الإدارية للشاشات التكنولوجية:
في دراسةٍ سابقة نشرتها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال AAP توصي فيها الأكاديمية بأن لا يقضي الأطفال الذين تترواح أعمارهم بين السنتين إلى الخمس سنوات أكثر من ساعة واحدة فقط في اليوم أمام شاشات هذه الأجهزة الإلكترونية، وأن لا يتم استخدام هذه الأجهزة البتة لمن هم دون السنتين من العمر، كما وشددت الأكاديمية على أهمية ضبط هذا الاستخدام لدى الأطفال ممن هم في سن الخامسة وما فوق.
وأخيراً أقول بأن هناك عوامل أخرى متنوعة من شأنها أن تصب في مصلحة هذه البرمجة الإدارية مثل إيجاد البدائل الممتعة للطفل، أو تكليفه نوعاً من المسؤولية، أو غير ذلك من العوامل، بحيث لا يترك هؤلاء الأطفال البته أمام هذه الشاشات الإلكترونية دون أن يكون هناك نوع من التنظيم والرقابة المستمرين مما يعود عليهم بالنفع والفائدة بإذن الله تبارك وتعالى.
اضافةتعليق
التعليقات