الصحيفة السجّادية ليست كتاب أدعية يُقرأ في أوقات الشدّة أو السكينة فحسب، بل هي كنز إلهي مُودَع في كلمات الإمام زين العابدين (عليه السلام)، تفيض بالحكمة، وتغمر القلب بخشوع يربط الأرض بالسماء. وقد سُميت بـ "الصحيفة الكاملة" لأنها اكتملت في دقتها وشمولها، فاحتوت على ما يحتاجه الإنسان في مختلف أحواله؛ في فرحه وحزنه، في ضعفه وقوّته، في سرّه وعلنه، حتى غدت خارطة شاملة تعلّم الروح كيف تخاطب خالقها وتسمو فوق أثقال الحياة.
في صفحاتها، لا يقتصر الدعاء على كلمات تُتلى، بل يتحول إلى مدرسة تهذيب وتربية، تُعلّمنا كيف نصوغ مشاعرنا بلغة العبودية الراقية، وكيف نُوازن بين مطالب الروح والجسد، وبين طموحات الدنيا والآخرة. ففيها دعاء للوالدين، وآخر للجيران، وآخر لطلب مكارم الأخلاق، بل وحتى أدعية تُعلّمنا كيف نواجه تقلبات الزمان وننهض بعد الكبوات. إن كل نص فيها ينبض بمعرفة عميقة تنقل الإنسان من ضيق الأنا إلى سعة القرب من الله.
ولذلك، لا يكفي أن تبقى الصحيفة السجّادية أثرًا تراثيًا يُتلى في المحافل، أو نصًا محفوظًا في المكتبات. إن مضامينها الرفيعة تجعلها جديرة بأن تُدرس كمناهج حية في المدارس والمعاهد والجامعات، لا كمجرد مادة دينية، بل كمنبع للأخلاق ومصدر لبناء الشخصية الواعية. فمن خلالها يتعلم الناشئ أن الدعاء ليس انكسارًا فحسب، بل قوة روحية تدفعه ليكون أرقى في أخلاقه، أصفى في روحه، وأقوى في مواجهة تحديات الحياة.
إن إعادة اكتشاف الصحيفة السجّادية هي إعادة لاكتشاف أنفسنا، لنتعلّم أن كل لحظة من حياتنا، من أصغر تفاصيلها إلى أعظم مواقفها، يمكن أن تتحول إلى نافذة نحو الله، ان الصحيفة الكاملة لم تُغفل جانبًا من جوانب الوجود الإنساني إلا وطرقته بدقة بالغة، فجاءت أدعيتها متفردة في مضامينها، لتُعلّم الإنسان كيف يناجي ربّه في أوقات الرخاء والبلاء، وكيف يتعامل مع ذاته، ومع الناس، ومع خالقه في أبهى صور العبودية.
إنها أداة لتربية النفس وصياغة للفكر. إن مضامينها أوسع من كونها تراتيل للعبادة؛ فهي دروس في الأخلاق، ومبادئ في بناء الذات، وخارطة لفهم العلاقة بين العبد وربّه وبين الإنسان والمجتمع. ولو أُدرجت نصوصها في المناهج الدراسية، لتعلّم الناشئة كيف يربطون الحياة اليومية بالبعد الروحي، وكيف يتذوقون جمال الكلمة وروحانية المناجاة، بعيدًا عن الجمود والسطحية.
فإن التركيز على محتوى الصحيفة السجادية لا يعد رفاهية فكرية، بل هو ضرورة ملحة في عصرنا الحالي. في زمن كثرت فيه التحديات النفسية والاجتماعية والأخلاقية، تكون بوصلة ترشد الإنسان نحو السعادة الحقيقية والاستقرار الداخلي.
إنها تحفة أدبية وروحية فريدة من نوعها، ورثناها عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام). إنها ليست مجرد مجموعة من الأدعية، بل هي موسوعة غنية بالمضامين العالية التي تتجاوز حدود الزمان والمكان، فهي ليست إرث تاريخي، بل هي كنز حي ينبض بالمعارف والعبر، تنتظر منا أن نكتشفها، نتدبرها، ونطبقها في حياتنا. تلك الرسالة التي تبني الانسان نفسيا وسلوكيا وعقائديا بشكل متكامل، ناهيك عن رسالة الحقوق فلكل شيء حقٌ علينا من أعضاء الجسد كاليد والعين واللسان إلى الجار والزوج والإبن والوالدين.
وما سيرة الامام زين العابدين (عليه السلام) هو شموليتهُ وتناولهُ لكل تفاصيل الحياة الإنسانية في الصحيفة الكاملة ورسالة الحقوق التي تُغني الفرد بشكل تام.
اضافةتعليق
التعليقات