نعيش في عالم أصبحت فيه مواقع التواصل الاجتماعي جزءاً مكملاً للإنسان، وبينما يوجد أبناء بلا هاتف أو بوصول مقيد لتطبيقات الهاتف، لا يوجد آباء بلا هاتف، وكلما كبر الإنسان كلما رق قلبه، وقل صبره، وأثقله التفكير المعقد، وهفا عن بعض الأمور، وتأثر ببعض الأفكار والاتجاهات دون فحص، ومواقع التواصل الاجتماعي هي مواقع تأثير، ولذا يسمى مشاهيرها "مؤثرون"، والأكبر سناً أول المتأثرين.
مواقع التواصل الاجتماعي تشكل خطراً على مستهلكيها في مستويين، الأول منهما: معلوماتٌ غير دقيقة أو مؤثرات تتلاعب بالاستقرار النفسي وتغير القناعات، مصبوبة في قوالب يصعب معها تفكيكها وتحليلها وفحصها، والإنسان كبير السن قد تقل حدة عقله أو يسهو أو لا يكون على اطلاع بما يستجد من ظروف ومعاني، فيحاول فهم ما يراه ويقرأه بفكر الماضي، فلا يوفق بالفهم فهماً شاملاً، ويحدث عنده شيء من الالتباس.
أما المستوى الثاني وهو مستوى مقلق بشكل كبير، وهو المقاطع القصيرة، وهذه المقاطع القصيرة تؤثر بشدة على استقرار المزاج والصحة النفسية العامة محفزة القلق والاكتئاب ومضاعفة شعور الوحدة، ولا تمنح مساحات كافية للتفكير لكثرة المقاطع وتنوع مواضيعها مما يخدر العقل أو يربك عمله، وتعطي هذه المقاطع إشباعات سريعة ومكافآت قصيرة المدى مما يقلل قدرة الإنسان على الإيمان بنتائج بعيدة المدى والالتزام بعمل ذي عائد وأثر حقيقي، كما أن هذه التأثيرات المتعددة تستهلك طاقة الإنسان وتجهده، فلا يعود قادراً على مواجهة أحداث أيامه، مما يأخذه ذلك للتسويف وعدم القدرة على أداء المهام اليومية بكفاءة أو عدم أداءها أصلاً، مما يشعره بالمحصلة بعدم جدوى الوجود.
وبالنسبة لكبار السن، فإن هذه التأثيرات يتضاعف وقعها ولا يمتلكون القدرة على مواجهتها أو الحد من آثارها، فيخمد العقل سريعاً ولا يعودون قادرين على التحكم في مشاعرهم أو قيادة أيامهم، مما يضعف حكمة العيش الطويل ويعيق انتقالها إلى الأجيال، بالإضافة إلى كون إدمان المقاطع القصيرة يؤثر على كم الحركة التي قد يقومون بها والتي هي قليلة أصلاً، مما يؤثر على الصحة البدنية كذلك.
يؤدي كبار السن دوراً محورياً في الحفاظ على استمرار تدفق الخبرات والمعارف، وعلى ترابط المجتمع وسلامته، وينتج عن اتزان قراراتهم وتمتعهم بالحكمة أممٌ شبابها على قدر كبير من الاستقرار مضطلعون بأدوارهم القيادية الحيوية، قادرون على الحصول على النصح والإرشاد الثمين ممن خبروا الحياة وشقوا فيها طرقاً. لذا من المهم جداً إيلاء عناية خاصة بكبار السن، وإشغال أَوقاتهم بما ينفعهم، ويساعدهم على الحركة بعيداً عن الهاتف، لأن كم الإشعارات من التطبيقات المختلفة يمنح شعوراً زائفاً بالأهمية، ويبني قناعة أن الاتصال المستمر ممكن، مما يصنع سيناريو خيبة متوقع عند عدم قدرة الأبناء أو الأصدقاء على التواصل على مدار الساعة، كما أنه يجعل التواصل نفسه ضحلاً مبني على الكم لا الكيف بالإضافة إلى ما تقدم.
ويجدر الذكر أن التعامل مع الأكبر سناً في هذا الجانب أصعب من التعامل مع الطفل، فلا يمكن سحب الهاتف مثلاً أو تقييد الوصول لبعض التطبيقات أو إطفاء الشبكة، ويترك الحوار على أشكاله وطرقه المتنوعة ندوباً، لكن السبيل الوحيد قد يكون عبر مشاركة مقالات عن آثار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي المفرط أو مضار مشاهدة المقاطع القصيرة، كما يجب تفعيل جدول لتشغيل الشبكة وعدم جعلها مشتغلة طوال اليوم، فعلى الأقل يقضي الإنسان فترة قبل النوم بالذكر والدعاء والتسبيح وقراءة القرآن، وقراءة الكتب والمجالات، والتحدث مع أفراد الأسرة في المنزل حديثاً فيه حضور وتركيز أو يتفكر في أمره وأمور دنياه، وينصح بصنع برامج تحتوي على أنشطة مختلفة دينية، رياضية، ثقافية، فكرية، اجتماعية، ترفيهية، يشارك فيها جميع أفراد الأسرة ويتفاعلون إيجابياً، لتعود البركة إلى الحياة، وتستقر النفوس وتطمئن، ونحيا كما أراد الله لنا أن نحيا لا كما تريد الحياة المعاصرة.
اضافةتعليق
التعليقات