نحنُ نقف على بحرٍ لا شاطئ له وعلى بداية حديثٍ لا نهاية له وعلى كلمات لا توصف فكل التراكيب والحروف والمعاني تعجز عن قولبتهُ بمفردات أو مقال. دعاء لخص لنا منهاجٌ تربوي متكامل وتوحيد لاشك فيه، دعاء غني بالمضامين العالية، هو ليس تضرع واعتراف فحسب، بل هو تبيان لكثير من النقاط والأسرار المخفية.
"الحمدالله الذي أخلو بهِ حيثُ شئت لسري بغير شفيع فيقضي لي حاجتي".
بغيرِ شفيع أي من دونِ مِنة أو واسطة فهو فائض الرحمة واللطف، كيف لا وهو الله، "إن عفوت فخيرُ راحِم وإن عَذبتَ فغيرُ ظالم".
لابد من التبحر بهذا الدعاء الزاخر بالأسرار، والمضمون الوافر بالأنوار.
إنهُ تجلي لجمال الله وعطفهِ ولطفه اللامحدود، ولابد لنا من عدم حِرمان اللسان من قراءته والروح من فيضه والقلب من الأُنس بهِ ليس في أيام رمضان فحسب بل نحنُ بحاجةٍ إلى الرجوع إليه في كلِ زمان وكل يوم حتى وإن جزأنا قراءتهُ فحرمان الروح منهُ خسارة. إنهُ منهاجٌ تربويٌّ جليل وكنزٌ قلَ من وعى وأدرك ثمنه لقد حوى الدعاء والمناجاة و الإعتراف بالحب الملكوتي الطاهر والإعتراف بالذنوب مع أمنيات عبدٍ تاهَ في لجج بحر الحياة الفانية فأشغلتهُ عن الباقي.
هو مفتاح الليالي وبطاقة دخول لمملكة الرحمة هو زاد الليالي. وكما نعلم أنهُ ورد عن خير الساجدين وإمام المتقين الإمام زين العابدين السجاد إبن الحسين (عليه السلام)، وورد أيضا عن أبيه دعاء ذو مضامين عالية وعظيمة عُرف بـ "دعاء الإمام الحسين يوم عرفة" فدعائهُ عليه السلام "أبي حمزة الثمالي" هوة إكمالٌ لرحلةِ دُعاءِ أبيهِ للتكامل والمعرفة التامة لما يحمل من إعترافات ومضامين قيمة.
أما التزكية فهي على ثلاث مراحل وقد ضَمنها الإمام في دعائه فهي بعد الحمد والشكر والتوحيد إعتراف بالذنوب والتقصير والخطايا ثم الإعتذار والوعد بعدم العود وهذا هو التخلي، وبعدها يطلب العفو ويقول "وتصدق علي بعفوك، وجللني بسترك". فيتمسك بحبال الرجاء ويسأل المولى العلي الإعانة على التحلي بآلآئهِ وبما يحب ويرضى ثم ينتقلُ إلى مرحلة التجلي.
"إلهي لو قرنتني بالأصفاد، ومنعت سيبك من بين الأشهاد، ودللت على فضايحي عيون العباد، وأمرتَ بي إلى النار، وحُلت بيني وبين الأبرار، ماقطعتُ رجائي منك، وماصرفت وجه تأميلي للعفوِ عنك، ولا خرج حبك من قلبي، أنا لا أنسى أياديك عندي، وسترك علي في دار الدُنيا. سيدي أخرج حب الدنيا من قلبي" فبعد خروج حب الدنيا تتجلى التزكية بكامل مراحلها.
وللعبد المريد في هذهِ الليالي أُنس فتجدهُ يترقب وقت السحر وساعاته هروبًا من فناء الدنيا ليدق باب الباقي. إن هذهِ الأيام أيامُ رحمة فهنيئًا لمن أدرك المنهاج وأعد العدة والمتاع.
فإن لم نوقظ الروح بالعشر الأولى والثانية فلنتهيأ للعشر الثالثة فهي ماتبقى لنا وبها الخير العميم والفيض العظيم. وأفضل ما نقرأ في هذهِ الأيام هو دعاء "أبي حمزة الثمالي".
فليكن طعامنا بقدر ونومنا بقدر وعملنا بقدر ولنجد ونجتهد في المناجاة والدعاء لنطوي الفراش ونفترش سجادة الصلاة فهي البراق للعروج نحو الخالق المعشوق وليكن طعامنا الأكثر، التسبيح والتهليل وشرابنا ذكر محمد وآل محمد.
فلايعلم أحدنا إن كنا في العام القادم من الذين يُناجون الحبيب بالدعاء أم مَن يذكرونا بالدعاء..
اضافةتعليق
التعليقات