يُعتبر الخوف حالة طبيعيّة فسيولوجية ونفسية تشعر بها جميع الكائنات، والخوف عند الإنسان موجود في فطرته ومنذ ولادته، لكن نسبة الخوف تختلف من شخصٍ إلى آخر، تبعاً لاختلاف الظروف والبيئات والعمر ونوع الشيء الذي سبب الشعور بالخوف له، وهناك أنواع كثيرة من الخوف، تختلف في قوتها ونوعها وتأثيرها، ويؤثر الخوف بشكلٍ مباشرٍ في الهرمونات التي يفرزها الجسم، كما يؤثّر في طاقته وحيويته، ويؤثر في أجزاء متعددة فيه.
لكن الخوف من الله هو منزلة من أعظم منازل الطريق إلى الله تعالى، وأشدّها نفعاً لقلب العبد، وهي عبادة قلبيّة مفروضة، قال الله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)،[٥] والخوف حالة يصاحبها حركة في القلب عند استشعار عظمة المَخُوف.
أنواع الخوف
هناك الكثير من أنواع الخوف منها:
الخوف من الأماكن المتّسعة أو المغلقة: ويُعتبر هذا النوع من الخوف، من أكثر الأنواع انتشاراً، خصوصاً بين النساء أكثر من الرجال، ويصاب به حوالي 63% من الناس، ويشعر الناس المصابون بهذا النوع من الخوف بانتكاس وفزع وخوف كبير عند الوجود في مكان عام متّسع ومليء بالناس، مثل أماكن العبادة كالمساجد والكنائس، والحافلات، والقطارات، والطائرات، ويشعر الشخص بحالة من التوتر الشديد، والقلق، وفقدان التوازن، وربما يمرّ بحالة من فقدان الوعي والإغماء، والاكتئاب، والشعور بالوساوس، وكذلك في الأماكن المغلقة.
الخوف الاجتماعيّ: ويشعر المصابون بهذا النوع من الخوف من مقابلة الناس، والظهور أمامهم، ويشعرون بخوف شديد من انتقاد الآخرين لهم، ويخشون التكلم أمام جمع غفير من الأشخاص، ويشعرون بارتباك شديد، مع رجفة في الأطراف، والتلعثم، والتعرق الزائد، وفي العادة تظهر أعراض هذا المرض في العمر ما بين خمسة عشر عاماً، وثلاثين عاماً.
الخوف من الحيوانات: وهذا النوع من الخوف يظهر في مراحل عمريّة مبكرة جداً، وتحديداً قبل البلوغ، حيث يخاف المصابون به من الحيوانات والحشرات والزواحف، مثل الكلاب، والقطط، والعصافير، والعناكب، والصراصير، والنحل، وغيرها.
الخوف من المرض والأطباء: ويشعر الأشخاص المصابون بهذا النوع بالوساوس الكثيرة حول الأمراض، وخوفهم من الإصابة بها حتى بمجرد ذكرها أمامهم، خصوصاً مرض السرطان، والأمراض النفسيّة كالجنون، ويخافون الموت، ويخافون من الأطباء فيما يعرف بمتلازمة المريول الأبيض، خصوصاً طبيب الأسنان، ويشعرون بحالة من الهلع بمجرد رؤيتهم.
مخاوف نوعيّة: مثل الخوف من الوظيفة الجديّة، والخوف من المدير، والخوف من الظلم، والخوف من الفشل، والخوف من الامتحانات، والخوف من البرق والرعد، والخوف من حوادث السيارات، والخوف من الظلام، والخوف من الجن، والخوف من النار، والخوف من البحر، والخوف من الأماكن المرتفعة.
الوجه الآخر للخوف
ومن هنا فقد نصحت أديتي سوبرامانيام، الحاصلة على دكتوراه في علم الأعصاب، في مقال لها نشرته مجلة "ايكولوجي توداي"، بألا ندع الخوف يسيطر علينا، وذكرت تجربتها في علاج الخوف الذي كان يصيبها، باتباع نهج أكثر منطقية واعتمادًا على الإحصائيات.
هل تعلم أن هناك جانباً إيجابياً للخوف، وأنه يمكن استخلاص بعض الفوائد من هذه المشاعر التي قد تبدو سلبية وسيئة؟ نعم، للخوف جوانب إيجابية، ومنها:
1- الخوف من الله تعالى عبادة لها فضل كبير: الخوف من الله تعالى صفة المؤمنين، وتشبّه بالملائكة المقرّبين والأنبياء المُرسلين، قال الله تعالى واصفاً الملائكة: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) [٨].
اضافة إلى أن الخوف من الله تعالى يُعين العبد على الاجتهاد في العمل الصالح الخالص لله تعالى وحده، وتأكيداً على أثر الخوف من الله في القُربات والطّاعات، جاء في القرآن الكريم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا*إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا).[١٠]
كما أن الخوف من الله تعالى يُبعد عن الشّهوات والنّزوات والّلذات المُحرّمة، ويرفع صاحبه إلى رضا الله تعالى ورحمته، ويُوصل صاحبه إلى الملاذ الآمن تحت ظل عرش الله يوم القيامة، فقد جاء في حديث السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم القيامة: قالَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).
2- دور الخوف في حفظ البقاء:
دون الخوف كان يمكن أن ينتهي كثير من أنواع الحيوانات، وكان يمكن للإنسان البدائي أن ينقرض أيضاً ويكون مصيره كغداء لحيوان مفترس جائع.
دفعنا الخوف أن نتعلم كيفية صناعة أسلحة الصيد، وهو ما جعلنا نتمكن من الحياة مع الحيوانات المفترسة بل وحماية أنفسنا منها.
3- الخوف والقلق يساعدان على التطور المهني:
يولد الخوف شعوراً بالقلق والترقب تجاه الحدث الذي يُسبب لك هذا النوع من المشاعر.
فإذا كنت بصدد إلقاء عرض تقديمي عام أمام جمهور غير مُحدد العدد، فربما يكون هذا حدث مُخيف بالنسبة لك.
الأمر الإيجابي أن الخوف هذا يخلق لديك حالة من التحدي، وهي الحالة التي تجعلك تُقدّم أفضل ما لديك، لأن القلق يمنحك الأدرينالين لتقديم عرض جذاب.
في هذه الحالة غالباً ما يكون تهدئة نفسك أمراً خاطئاً، فقد وجدت الأبحاث التي أجراها أليسون وود بروكس في كلية هارفارد للأعمال، أنه عندما وصف المشاركون أعصابهم بأنها مُستثارة، استطاعوا أن يُقدموا عروضاً عامة أفضل من أولئك الذين حاولوا الاسترخاء وتهدئة أنفسهم.
قد ينشأ الخوف عن تخيل أسوأ السيناريوهات، ما يجعلنا نتلافى حدوثها بالفعل. كما أنه يُعلمنا أن نتعامل مع أفكارنا ونسيطر عليها إذا واجهنا أنفسنا بعدم منطقيتها.
4- الخوف والقلق يساعدان على قرارات أفضل:
أثبتت التجارب أنه من الخطأ الاعتقاد بأننا نأخذ قراراتنا بشكل أفضل حينما نتحكم في مشاعرنا ونسيطر على مشاعر الخوف والقلق التي نُعاني منها.
هناك الكثير من الأبحاث التي تبين أن المستويات الأعلى من المخاوف والقلق يمكن أن تجعلنا أكثر كرهاً للمخاطرة عند صنع القرار.
في دراسة أُجريت عام 2009 تطلبت من المشاركين الاختيار من بين مجموعة من البطاقات المحملة بفرص مختلفة من المكافآت والعقوبات، فقد تجد في إحدى البطاقات أنك حصلت على مبلغ مالي، وقد تجد في بطاقة أخرى أن هناك عقوبة يجب أن تُطبق عليك.
وقد وجد الباحثان مارتينا كيرش وسابين ويندمان أن الأطفال والبالغين الذين كانوا أكثر قلقاً أدوا أداءً أفضل، وأظهروا أنهم كانوا أكثر قدرة على تتبع الفوائد وتجنب المخاطر النسبية.
5- الحفاظ على سلوك أخلاقي جيد
وفقاً لتجربة نُشرت في PLoS ONE ، تم تقسيم 177 طالباً جامعياً في تركيا إلى 3 مجموعات:
وأظهرت الدراسة أن المجموعة التي تم تحفيزها بالكلمات التحليلية والعقلانية كانت الحساسية الأخلاقية تتعزز لديها باحترام النظام المدني ونتائج انتهاكه والعقوبات التي ستترتب على هذا الانتهاك.
بمعنى آخر فإن العامل الأساسي الذي يضمن سلوكنا الأخلاقي، بغض النظر عما إذا كان ديناً أو مؤسسة مدنية، هو الخوف.
6- الخوف الذي يقودك إلى القلق يعني أنك شخص أذكى:
دراسة أخرى نُشرت عام 2012 كشفت أن الأشخاص الذين يحرزون نقاطاً أعلى في مقاييس القلق يميلون أيضاً إلى أداء أفضل في اختبارات الذكاء، وخاصة الذكاء اللفظي.
يبدو هذا بديهياً، فالخوف والقلق يقودانك إلى البحث في المستقبل وتخيل السيناريوهات المحتملة، بما في ذلك السيناريوهات السيئة.
المهم إذا كنت قلقاً هو ألا تترك خوفك يشلّ طموحاتك، ولا تدفن رأسك في الرمال، بدلاً من ذلك، تصرف بناءً على مخاوفك، قم بالبحث والتحضير.
لن يؤدي هذا إلى تخفيف حدة مخاوفك وقلقك فحسب، بل سيعزز أداءك أيضاً.
علاج الخوف
ثمة علاج عملي يطرحه الإمام علي عليه السلام لمفهوم اللاوعي فهو يقول (وتدارك مزاج تخيلك بمكاثرة أهل الحكمة فان مفاوضتهم تريح الرأي المكدود وترد ضالة الصواب المفقود) وهو أسلوب لتربية النفس وتهذيبها والتحكم بالأسباب المؤدية للاوعي.
وفي كل الأحوال فإن هذه المعالجة تجمع بين التحليل النفسي للفرد بفراسة عالية وبرهان كما ويضاف لها الأسلوب الإرشادي.
أما العلاج السلوكي فالإمام يحاول فيه إزالة الأسباب المؤدية إلى المرض النفسي فالخوف مثلا حالة إرهاب للإنسان لذا فهو يعالج الخوف من خلال الوقوع فيه بقوله (إذا خفت شيئا فقع فيه، فان توقيك منه أعظم من الوقوع فيه).
والمطالبة بوقوع المريض في ما يتخوف منه وتعريضه لمصدر الخوف يعني نمطا من العلاج السلوكي الذي تتجه المدرسة السلوكية الحديثة إليه ويستوي في ذلك أن تكون الحالة طابع بيئي أو وراثي.
ودعى إلى الابتعاد عن الخوف والحزن لأنهما ينقصان من عمل الإنسان ويؤذيانه وقد عالج الحزن بالدعوة لسماع كلام العلماء ولقاء الأصدقاء ومرور الأيام بقلة البلاء وراحة النفس والإنس عنده في الزوجة الموافقة (المناسبة) والولد البار والأخ الموافق. وهي مسائل تدعو إلى سكينة النفس واطمئنانها وبالتالي العيش بشكل طبيعي وبحياة تخلو من الخوف والتوتر أو المشاكل.
اضافةتعليق
التعليقات