يحتاج الإنسان إلى الكثير من الحب والاهتمام فهذا الأساس الذي بنيت عليه هذه الحياة هو الحب والاحترام والتقدير المتبادل بين الناس. إلا أن الكثيرين لا يستطيعون تقديم المحبة المطلوبة للآخرين وذلك بسبب أنانيتهم وتغطرسهم.
وفي نفس الوقت يكثر الأشخاص الذين يبحثون عن الاهتمام ويتسولون العاطفة والحب. فيعبر عن سلوك يتمثل في استخدام أنماط متعددة للتفاهم والتقرب من الآخرين، وذلك عبر تقديم مزاعم قد تكون حقيقية أو غير حقيقية. يهدف هذا السلوك إلى جلب مشاعر الحب، وتجلب الاهتمام، وحتى لفت الانتباه من الأشخاص الآخرين. يتضمن هذا السلوك أيضًا السعي لإقناع الشخص الآخر بتنفيذ أفعال يمتنع عادةً عنها أو يرفضها، وذلك عن طريق تلاعب المشاعر والمواقف. من خلال هذا الأسلوب، يُمكن تحقيق الهدف من الحصول على مشاعر الرغبة والاهتمام.
مفهوم التسول العاطفي
هو سلوك يلجأ إليه الفرد من أجل إظهار التودد والمحبة للغير بأساليب متنوعة ومختلفة وادعاء أمور قد تكون كاذبة أو صادقة. ويكون ذلك من أجل كسب محبة واستعطاف واهتمام الطرف الآخر. أو جذب انتباهه أو جعل الشخص الآخر يقوم بتنفيذ أشياء يمتنع عنها ويرفضها ربما لأنها مختلفة عن قناعاته. فمن خلال هذا التسول العاطفي يمكن تحقيق كل هذه الأمور.
وتقول الدكتورة جيهان النمرسي، أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر، إن التسول العاطفي سيكون باستجداء الفرد للمشاعر المختلفة، كالتعاطف والحب والاهتمام ممن حوله. وضح "النمرسي" أن التسول ينقسم لنوعين:
الأول يكون إيجابيًا، ويمكن أن يُطلق عليه "طلب الاهتمام" أو "لفت الانتباه"، ومن خلاله يمكن للزوجة لفت انتباه زوجها للاهتمام بها، أو لفت انتباه الأبناء للعناية بها وفي الغالب لا يكون مذمومًا.
أما الثاني فهو التسول السلبي، ويُمثل اضطرابًا سلوكيًا، وفيه يقوم الشخص بمطاردة الشخص الذي يتسول منه العاطفة، سواء بفرض الاهتمام أو باستجداء الحب والمشاعر منه، وذلك من خلال القيام ببعض التصرفات التي تثير العاطفة، وتظهر سماتهم بشكل واضح من خلال:
- عدم الثقة في النفس، وفي الغالب يستمدها ممن حوله.
- المعاناة من الفراغ العاطفي.
- الميل إلى الانطوائية.
- اقتحام حياة الشخص الذي يستجدي منه العاطفة، رغم انطوائيته.
- يبالغ في كثير من الأمور، سواء الفرح أو الحزن.
- لا يعرف حدود في الكلام.
- يدعي كثرة الأصدقاء رغم عدمهم.
- لا يشارك أسرته في أي نشاط أو حتى حديث.
- الادعاء بأنه ضحية المجتمع، وأنه يعاني من ضغوطات كثيرة وأنه غير مُقدَّر اجتماعيًا.
- يعاني دائمًا من القلق والتوتر، ويسعى إلى طلب المدح للحصول على الأمان النفسي.
- يضخم من إمكانياته وإنجازاته مهما كانت بسيطة.
أسباب التسول العاطفي
عدم احترام الذات.
الشعور بالوحدة.
الغيرة.
عدم احترام الذات: عادةً ما يكون لدى الشخص المتسول عاطفيًا شعورًا بعدم احترام الذات، فيفقد الشعور بقيمته ويشعر بعدم الأمان التام تجاه من حوله من الآخرين، لذلك يتسول عاطفيًا الاهتمام والتقدير من قبل الآخرين ليشعر بنفسه، ويُرضي فقدانه لاحترام الذات.
الشعور بالوحدة: يشعر الكثير إن لم يكن الجميع ممن يتسولون بالوحدة، لذلك يسعون إلى جذب انتباه الآخرين إليهم، وحتى وإن كان اهتمام الآخرين به قائمًا على الشفقة فهو يُرضي شعوره بالوحدة.
الغيرة: قد تدفع الغيرة من الآخرين وأنهم محط اهتمام، إلى سلوك التسول العاطفي، حتى أنَّهم يلجأون إلى التهديد بالانتحار، أو غيرها من وسائل الإيذاء محاولةً لجذب الانبياه وشحذ العواطف.
اضافة إلى عوامل كثيرة تسهم في ظهور وتفاقم سلوك التسول، وهذا السلوك لا ينشأ من فراغ بل يتأثر بعدة أسباب منها:
- التفكك الأسري، مثل حالات الطلاق، والغياب العاطفي من قبل الأسرة، وعدم التفاهم بين الوالدين. هذا يؤدي إلى تأثر الأطفال الصغار ويجعلهم يفتقدون للحنان والأمان والمحبة.
- قلة الاهتمام من قبل الأسرة في تطوير وتعزيز شخصية الأبناء وتقديم الدعم لهم. هذا يؤدي إلى نمو شخصيات هشة وضعيفة لدى الأطفال.
- العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي قد تؤدي إلى فقدان فرص العمل أو التعليم المناسب، وتجعل بعض الأفراد يلجؤون إلى التسول كوسيلة للبقاء.
- الانعزال الاجتماعي وعدم التواصل الجيد مع الآخرين يمكن أن يؤدي إلى شعور بالوحدة والحاجة الملحة للانتباه والاهتمام.
تجارب سلبية في الماضي مثل التعرض للإهمال أو الإيذاء العاطفي قد تؤثر في تكوين سلوك التسول كوسيلة للتعويض عن النقص العاطفي.
- تأثر بمثل هذا السلوك من قبل أفراد مقربين أو معرفين مما يؤدي إلى تقليده وتبنيه كوسيلة للتفاعل مع الآخرين.
هذه العوامل وغيرها قد تشكل مسار التسول وتؤثر على سببية تطوره واستمراريته.
علاج التسول العاطفي
- استخدام منفذًا آخر للتعبير عن ما بداخلك مثل الكتابة أو الرسم أو غيرها من الهوايات .
- التطوع ومساعدة الآخرين.
- قضاء وقتك في شيء مفيد.
- الثقة بالنفس.
- يأتي علاج التسول العاطفي من الشخص نفسه، إذ يجب أن يلجأ بوسيلة أخرى تعبيرًا عما يشعر به، فيمكنه كتابة ما يشعر به، أو يمارس رياضة يفضلها، أو التطوع في بعض الجمعيات لمساعدة الآخرين، والأهم هو الثقة في نفسه.
لا تتسول الاهتمام
بالطبع لا تتسول الاهتمام، فبالرغم من أننا بشر ونريد جميعًا أن نكون محبوبين ونأخذ قدر كافِ من الاهتمام، إلا أنَّ شحذ الاهتمام من الآخرين أمر مزعج ومنفر للغاية، ويعود الأمر لنفسك فعليك احترام ذاتك والثقة بأنك شخص مرغوب فيه، يحبه الجميع ويهتموا به من وقت لآخر لكنه ليس بالضرورة أن يكون محط أنظار الجميع طوال الوقت.
فقط عبر عن مشاعرك، مارس هوية مفضلة لديك، ساعد غيرك، وغيرها من الأشياء التي تجعلك تنظر لنفسك نظرة مختلفة، فلا تحاول تضييع وقتك في اكتشاف من سيهتم بك، ومن لا سيهتم، اهتم أنت بنفسك وبما تفضله وتحبه، وادعم نفسك قدر المستطاع.
التسول العاطفي عند الأطفال
يُعد سلوك التسول العاطفي لدى الأطفال شكل من أشكال لفت انتباه الآخرين، وخاصةً لفت انتباه المعلمين والآباء، ويشمل الاهتمام المطلوب من قبل الطفل النظرات البريئة، والاستحسان والثناء والمودة والتواصل الجسدي معه، ولكن قد يعكس التسول العاطفي بشكلٍ زائد سلوكًا سلبيًا يمثل أحد اضطرابات الشخصية لدى الطفل.
التسول العاطفي الالكتروني
يتمثّل التسول العاطفي الالكتروني في محاولة جذب انتباه الآخرين من خلال بوستات الاستعطاف، أو التمرّض، والتقاط بعض الصور الشخصية حتى يجذب الآخرين للتعليق له بكلمات إيجابية يود سماعها، فلا يمكن لمتسول الاهتمام قضاء يوم واحد دون التقاط عدة صور سيلفي لنفسهم ليمدحه الآخرين.
بينما يكمن الفرق بينه وبين الشخص العادي، أن الشخص الطبيعي يلتقط صورًا شخصية فقط عندما يكون في مكان لا يُنسى أو بمناسبة سعيدة، ولكن على النقيض يأخذ الشخص الآخر المتسول عاطفيًا صورًا بشكل يومي.
كيف أكون شخصاً غير متسول عاطفياً
كي تكون شخصاً قوياً أو غير عاطفياً يجب أن تتبع ما يلي:
- التفكير بشكل عقلاني ومتوازن وعدم جعل مشاعرنا تسيطر علينا وإنما يجب أن نسيطر ونتحكم بها. وكذلك يجب عدم الاندفاع عاطفياً وبشكل غيرعقلاني ومتزن.
- الرضا بما لديك وعدم الطمع فهذا سيجعلك تبتعد عن اظهار الذل والمحبة الكاذبة للآخر للحصول على هدفك.
- كن شجاعاً وقائداً لنفسك في المواقف والظروف الصعبة وغيرها. ولا تضعف أمام إرادة الآخرين. وحاول أن تفهم أن الشخصية القوية الصحيحة هي السلاح الفعال والقوي في هذا المجتمع.
- يجب أن تحب للآخرين ما تحب لنفسك فعاملهم بلطف واهتمام كما تحب أن تُعامل. وتعلم ألا تتسول الحب من الآخرين فهذا سيجعلك عرضة للإهانة وللكلام الجارح والقاسي.
- كسيدة حاولي أن تكوني مطلوبة لا طالبة. أي لا تلاحقي الشريك وإنما اجعليه يسعى دوماً للوصول إليك وكسب محبتك وتمتعي بإحساس مرتفع يفيض بالمحبة، لأن من يحبك سيشعر بك دون مطاردة أو حتى القيام بمحاولات لجذب انتباهه وعاطفته.
وفي الختام ننصحك بالاهتمام بنفسك وتقديم المحبة والعطف للآخرين وعامل الناس برقي واحترم حريتهم ومشاعرهم، هذا من أجل بناء مجتمع سليم وخالٍ من مظاهر التسول العاطفي. وتذكر أن الحب الحقيقي خالي من المصالح والذل والتمثيل ويفيض بالرقي والاطمئنان الكافي للعيش ببال مرتاح وبطاقة إيجابية عالية.
اضافةتعليق
التعليقات