تطرقنا في الفصل السابق الى الأمن الفكري من حيث المفهوم، أما في مجال السياسة، فنلاحظ أن تعامل الدولة مع هذه المفردة يكون بشكل يتناسب مع توجهاتها السياسية، إذن فللسياسة دور كبير في تنمية مفردة الأمن الفكري الذي يقودنا إلى فهم الظاهرة بدقة وعمق وإحاطة بالموضوع بكل جزيئاته، كما يتيح لنا الإحاطة بكل الظروف التي تستغلها الجماعات المنحرفة لنشر فكرها الضال والهدام، فيصبح دور الدولة مرتكزاً على الأمور التالية:
۱ - اظهار وسطية الاعتدال وتوازنه، وترسيخ الانتماء لدى الشباب واشعارهم بالاعتزاز بهذه الوسطية.
٢ - معرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها، فلابد من تعريفهم بهذه الأفكار وأخطائها قبل وصولها إليهم مزخرفة فيتأثرون بها.
٣- الاهتمام بالتربية: في المدارس والبيوت وغيرها من مؤسسات المجتمع.
٤ - يجب ان يحصل تفاعل بين المؤسسات التعليمية ومحيطها بحيث يجعل منها مؤسسات مفتوحة رائدة في تعميم التربية والمعرفة والدراسات السابقة مما يسهل لها متابعة رسالتها السامية في ايجاد المواطن الصالح، بحيث يتهيأ دهنيا ونفسيا للتوافق مع متطلبات الحياة الاجتماعية.
ويتطرق بعلاقته بالأمن الوطني والدولي إلى منظومة الأمن الشامل وتتكون من ثلاثة مستويات؛ الأولى تتعلق بأمن الفرد الفكري أو النفسي أو العقلي ودور الحلول التي تقدم لمعالجة مشكلات البطالة والفقر والحريات في تحقيق الأمن الفكري، بينما يتناول المستوى الثاني من منظومة الأمن الوطني ماله علاقة بالأمن الاجتماعي والمتمثل في منع الظلم ونبذ الاضطرابات والعنف والإرهاب، بينما يرتبط المستوى الثالث من الأمن الوطني بالأمن الخارجي والذي يهتم بحماية المجتمع من الانحراف الفكري والغزو العسكري والاقتصادي مشيرا إلى أن منظومة الأمن التي تشمل الأمن الفكري والثقافي والنفسي والاقتصادي والسياسي وغير ذلك هي منظومة متشابكة متداخلة مع بعضها.
ولتحقيق كل هذه الأمور لابد للدولة من اتخاذ الاجراءات التالية:
تعزيز الأنظمة والقوانين الرادعة للانحراف الفكري والتي تندرج في باب التعزير الشرعي، ومن هنا يتضح أنه بإمكان مواجهة هذه الانحرافات الفكرية والتصدي لها من خلال الآليات القانونية والتنظيمية التي لها دور كبير في زجر الجماعات المنحرفة والحد من السلوكيات المنحرفة.
ترسيخ ثقافة التعاون والتضامن والمسؤولية المشتركة في مكافحة الانحراف الفكري وتقع مسؤولية القيام بالدور على كل من الأسرة، والإمام والفقيه والداعية في المسجد، والمعلم والمربي في المدرسة، والأستاذ الجامعي والإعلامي والمثقف في وسائل الإعلام، إلى جانب المؤسسات والهيئات التي من شأنها مباشرة العلاج والتعاون فيما بينها وفق آليات وشراكات بناءة، كوزارة التربية والتعليم، والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، ووزارة العدل، وسائر الجهات التي تعنى بالشباب والمجتمع.
تبصير الناشئة وإعلامهم بالأخطار والتهديدات المحدقة بهم ومن هذه التهديدات الحروب والغزو الثقافي والفكري للثوابت الأصيلة، وتعريفهم بمرجعيتهم الخالية من الشوائب والأفكار المنحرفة والمضللة لأنها صمام أمان يقي الأمة من كل التهديدات المحدقة بهم إلى جانب مساعدتهم على تنمية وتطوير قدراتهم لأنهم أكثر شرائح المجتمع استهدافا لبث هذا الفكر المنحرف .
ونظراً لتنوع التهديدات التي تواجه الدولة خلال الفترة الراهنة والتي من أبرزها خطر التطرف الذي يعد تحدياً كبيراً، الأمر الذي يضاعف من هذا التحدي التطور في آليات صناعة التطرف وترويجه فتتعاظم الحاجة للاستجابة بوضع استراتيجيات تحقيق الأمن الثقافي والفكري لها وعلى مستويات عدة لرفع حالة الاستنفار السياسي والأمني والاقتصادي لمقاومة "موجة التطرف" التي تجتاح الدول لكونها ذات طبيعة مركبة ومتداخلة وتتطلب في مواجهتها استراتيجية النفس الطويل، وانطلاقاً من أهمية الأمن الفكري فقد اتخذت الدول عدداً من المبادرات المشتركة فيما بينها إضافة لجهود كل دولة على حدة.
ونظراً لتنامي الأفكار المتطرفة الخارجة عن قيم الوسطية والاعتدال من أجل غزو الروح الوطنية والنسيج المجتمعي وإضعاف الهوية الجامعة والاخلال بقواعد الأمن الوطني وإصابتها بالهشاشة الأمنية تمهيداً لتشكيل حاضنات شعبية لها في مختلف المناطق، ومما يزيد الأمور خطورة تأثير تلك الجماعات المتطرفة على بعض الشباب انخراط بصفوفهم والقيام بأعمال عنف تعكس الأفكار التي تروجها الجماعات المتطرفة بغية هدم العقول قبل إلغاء الحدود.
وعلى الدولة أن تركز جهودها على المناعة الطبيعية في مواجهة أدوات خطابها المتطرف من خلال تكثيف البرامج التوجيهية، وأخص بالذكر وسائل الإعلام بشتى أصنافها، ومحاولة زرع الثقة في قلوب المسلمين بالاعتزاز بدينهم وعقيدتهم وتمكين قواعد الإسلام في قلوبهم، والردّ على ما يضادها وحتما سيولد ذلك قناعة بأولوية الأصول الإسلامية في قلوب المسلمين، وبناء الرسوخ العقدي في قلوبهم، وذاك التحصين الذي نريد.
اضافةتعليق
التعليقات