كانت القلوب لدى الحناجر وترتعش الخلايا من شدة الرهبة فيما سيحدث، العيون كانت تراقب المشهد بتفاصيله بينما البعض كانوا يبلعون ماء فمهم بصعوبة، جاء نداء من بعيد جاء محمد (صلى الله عليه وآله) كثر الضجيج وبدأ الأمر يزداد ضيقاً ورهبة يا ترى كيف يأتي؟
ومن يجلب معه؟
هل يأتي وحده أم معه جماعة من أصحابه المفضلين؟
أهم الأنصار أم من المهاجرين؟
أم من الذين اختارهم الله صفوة على خلقه وسادة على البرية؟
فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم،
وذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي والحسن والحسين (عليهم السَّلام) بين يديه، وفاطمة
(عليها السَّلام) خلفه، وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة، فقال الأسقف: إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها، فلا تباهلوا، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك ولكن نصالحك، فصالحهم رسول الله (صلَّى الله عليه و آله).
وقال النبي (صلَّى الله عليه وآله): "والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي نارا، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا"*1.
أهل نجران عرفوا عظمة أهل البيت عليهم السلام وتراجعوا عن المباهلة ولكن بقيت هذه الحادثة مترسخة على جبين التاريخ لتحكي عظمة وشموخ أهل البيت عليهم السلام مدى الدهر، فقد سأل مأمون العباسي الإمام الرضا(عليه السلام): أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) يدلّ عليها القرآن؟ فذكر له الإمام الرضا(عليه السلام) آية المباهلة، واستدلّ بكلمة: ﴿وَأَنفُسَنَا﴾
لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) عندما أُمر أن يخرج معه نساؤه أخرج فاطمة (عليها السلام) فقط، وعندما أُمر أن يخرج أبناءه أخرج الحسن والحسين فقط، وعندما أُمر أن يخرج معه نفسه أخرج عليّاً، فكان عليّ (عليه السلام) نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) *2.
هذه الآية تعتبر امير المؤمنين الشخصية المشابهة للرسول صلى الله عليه وآله وذو كفاءة فهو يمثل النبي صلى الله عليه وآله من عدة نواحي وأكدّ النبي ذلك في مجالات شتى وأماكن مختلفة وأيضاً تبين عظمة اهل البيت عليهم السلام وعلو شأنهم من قبل الله سبحانه وتعالى حيث انهم من الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله هذه العظمة عندما قال: "لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى".
قضية المباهلة من أهم القضايا التاريخية التي حدثت بين المسلمين والنصارى ولكن رغم عظمتها إلا إنها مظلومة ومن واجب الجميع الدفاع عن ظلامتها وانتشار هذه القضية في المجتمع كي يتعرف عليها الجميع وتنتقل من شخص إلى شخص آخر.
المباهلة
تعني معرفة أهل الكتاب بنبي آخر الزمان وعظمة أهل بيته بالتفصيل الدقيق، وتعني اخضاع الجميع أمام الرسول صلى الله عليه وآله ونفسه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وتلك السيدة الموقرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، المباهلة تعني كسر الصليب أمام الحق!.
مجمع البحرين: 2 / 284، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي، المولود سنة: 979 هجرية بالنجف الأشرف.
الفصول المختارة، ص38/ بحار الأنوار، ج49، ص188.
اضافةتعليق
التعليقات